انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: سامح خليل
08 نوفمبر 2014
11078

في مكالمة طويلة جمعتني بأحد الأصدقاء، تطرّقنا للوضع الحالي في الجامعات المصرية، و الوضع السياسي العام..
تحدثنا عن ثورة كانت، ثورة تعلقت بها آمال و أحلام الشباب، و صادف القدر أن دُفعتي كانت أول دُفعة تدخل الجامعة بعد ثورة كُنا نظن أنها قضت على فساد و أسست لحريات ستبقى ما بقينا على وجه البسيطة.

كُنّا سُذّج، أو ربما حالمين، لكن ما لا يمكن نفيه هو ثورة نفوسنا و الأدرينالين الذي كان يسري بعروقنا منذ كُنا نقضي الليالي في المذاكرة و قتما كُنا في الثنوية العامة، و الذي أفضى بي أنا شخصيًا رغم كوني تخصصت في القسم العلمي أن أُفاضِل بين كُليتي الإعلام أو الاقتصاد و العلوم السياسية حتى –ركِّز هُنا جيدًا- "أستطيع أن أُلبي نداءات الثورة" التي ظننا أنها لن تُلبى إلا من خلال العمل في إحدى المجالين (قُلت لك من قبل أننا كُنا سذج).
لم تكن تلك حالتي وحدي، بل تعرفت في الجامعة على العديد من الأصدقاء ممن كانت لهم نفس التجربة، و لم يلتفتوا لدرجاتهم الجيدة، و لم يلتفتوا للطب و لا الهندسة أملًا في تحقيق نفس الحُلم الطفولي.

بداية من حلم الثورة في الثانوية العامة، مرورًا بأحداث مُحمّد محمود (لم يكُن وقتها تعوّدنا على لفظها بـ "مُحمد محمود 1" لأننا لم نكن نعلم أن المجازر و المصائب ستأتي متلاحقة فيصبح هناك محمد محمود واحد، و اثنين)، و التي كان لها عظيم الأثر في النفوس و القلوب و الأرواح.

كنت أذهب يوميًا إلى هناك، إلى شارع محمد محمود (نعم هو الشارع الذي باتت صور المخلوع تزين شرفة أو اثنتين من شرفاته)، بعد امتحانات منتصف التيرم لسنتي الأولى بالجامعة، كُنت أترك ورق الامتحان بعد أن يمُر منتصف الوقت، و أنا الطالبة المجتهدة، حتى أُدرك الذهاب إلى هناك دون أن تشعر والدتي بأني أذهب إلى مكان آخر غير الجامعة، و حتى يتسنى لي مقابلة أختي الكبيرة و ابنة عمي و أصدقاء من أماكن شتّى و سماع جُملة "اثبت مكانك" يتردد صداها في جنبات المكان.

كُنا نكذب، نعم نكذب على أهلنا، لكن كان الأمل يملؤنا بأننا –بعد أن تنتصر الثورة- سنكبر و نخبرهم أننا يومًا ما كُنا هناك، بدون علمكم، نشارك في بناء وطن جديد، و لأول مرة لن نخجل من الافصاح بالكذب.

و في مجلس الوزراء، حيث كنا، و حيث كانوا، حيث توطدت العلاقات بأصدقاء الجامعة، الذين ذهبوا إلى هناك، و الذين صادفناهم أو لُمِحت وجوههم عابرة وسط غاز محمد محمود، رأينا وجوههم مرة أخرى، في مسيرة أو اكثر دعمًا لمن كانوا يُرابطون على الثورة المصرية. أحمد منصور، علاء عبد الهادي و الشيخ العِماد.

ذهبنا مع من ذهبوا هناك، و لم نعُد, بقيت أرواحنا مُعلقة، لا نقدر على الثأر ولا يُمكننا الحلم. لا نستطيع المُضي قُدُمًا، و لا النسيان مُمكن. بقينا هُنا وسط اللاشي، و ذهبوا هُم إلى كُل شيء.

و بعد أن كُنّا آمالًا مُتحركة، نمشي متفاخرون بجيل حقق معجزة، صِرنا كالموتى الأحياء، لا هَم لنا سوى الركض وراء أصدقائنا و أحبتنا المعتقلين ظُلمًا، نتلمّس الفرحة وسط طرق مظلمة لا يُكاد يُرى فيها النور، و انحصرت كتاباتنا في جمل مُصمتة، عاجزة مثل "الحرية لـفلان افلاني" ، "افرجوا عن فُلان الفلاني". ولا الحُرية تُدرك، و لا النور يظهر في الأفق. و على ما يبدو أننا لن نستطيع يومًا أن نتفاخر بكذبتنا، و لا أن نفصح عنها.


تعليقات