انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: سعيد عبدالغنى
08 أغسطس 2015
11182

كتب - يوسف منيع

 

كنت في المقال السابق قد تحدثت عن العوامل الدافعة إلي عملية إصلاح الأجهزة الأمنية في ليبيريا و عن فشل اتفاقيات السلام التي تلت الحرب الأهلية الأولي و عوامل فشل تلك الاتفاقيات من سوء إدارة مرحلة التحول و عدم تنفيذ خطة الإصلاح خاصة فشل برنامج نزع السلاح و التسريح و إعادة الدمج وصولاً إلي بدايات الحرب الأهلية الثانية و التي انتهت باتفاق السلام الشامل لعام 2003, و في هذا المقال سوف نركز علي مرحلة ما بعد الاتفاق و كيفة إدارة عملية الإصلاح تلك.

 

فكان برنامج نزع السلاح و التسريح واعادة التأهيل و الادماج يمثل خطوة مبكرة نحو الانتقال من الصراع الي السلم من خلال نزع السلاح و تفكيك و حل الوحدات المسلحة, و إعادة المقاتلين للحياة المدنية و تمكينهم من كسب معيشتهم من خلال السلام بدلا من الحرب و العنف.

 

مع بداية نوفمبر 2003 تبنت الجهات المانحة لدعم السلام و وقف الاقتتال في ليبيريا المشروع و تم عرضه علي الحكومة الانتقالية و اللجنة الشرطية التابعة للجنة الوطنية للبرنامج, بدأت الخطوة الأولي في البرنامج بإحصاء و تحديد و إعادة توثيق العمليات من أجل تسجيل المشاركين في البرنامج, كما ساعدت تلك المعلومات في معرفة الهيكل و السعة التي يحتاجها كلا من القوات المسلحة و جهاز الشرطة الوطنية, و قد حددت بعثة الأمم المتحدة أنه سوف ينزع السلاح من ما يقرب من 48000 الي 5800 مقاتل سابق.

 

نجح البرنامج في تسريح و نزع السلاح من 101.449 مقاتل, كما نجح في تجميع ما يقرب من حوالي 61.918 سلاح و ما يقرب من سبعة مليون ذخيرة, و بحلول عام 2004 كان 99% من الأطفال الذين اشتركوا في الملشيات المسلحة قد أعيدوا الي عائلتهم و الذين بلغ عددهم ما يقرب من 12000 طفل.

 

و قد ساعدت تلك الاستراتجيات في عملية التحول الديمقراطي, فيجب أن تكون الأجهزة الأمنية خاضعة للدولة بالأساس و تعمل لخدمة المواطنين و عدم انتهاك حقوقهم مما يحتاج الي إعادة تأهيل للأفراد الجهاز الشرطي حتي يستطيعوا أن يتعاملوا مع المواطنين وفق القانون و حقوق الانسان و احترامها, كما تحتاج عملية التحول ألا يكون هناك جماعات مسلحة تعمل خارق اطار الدولة و قوانينها و من هنا جائت أهمية استراتجيات  نزع السلاح و التسريح.

 

لم يغفل برنامج الإصلاح الجهاز الشرطي و الذي كان يتسم تحت قيادة تايلور بالمركزية و العمل لصالح الرئيس و العسكرة الي جانب اتسماها بدرجة كبيرة من التسيس, كما كانت الشرطة تحت حكم  تايلور تستخدم السلاح ضد المدنين دون تمييز.

 

و وفق اتفاق السلام الشامل الليبيري تم اسناد مهام الجهاز الشرطي خلال الفترة الانتقالية الي قوات الشرطة المدنية التابعة للأمم المتحدة " وفق المادة الثامنة النقطتين الرابعة و الخامسة من الاتفاق", و في عام 2004 بدأت قوات الشرطة المدنية التابعة للأمم المتحدة في عملية اعادة بناء الشرطة الوطنية في ليبريا بهدف مبدأي و هو 3500 شرطي ليبيري, و لكن التركيبة الديموجرافية للجهاز الشرطي في ذلك الوقت اشار لضرورة بدأ عملية اعادة البناء من البداية فنجد وفق الاحصائيات أنه:

  • بلغ متوسط عمر أفراد الشرطة الوطنية في ذلك الوقت 38.5 سنة, و هو الأمر الذي يجعل عملية اعادة التدريب صعبة للغاية و مكلفة.

  • مستوي التعليم لهؤلاء الأفراد مابين تعليم ابتدائي و ثانوي و هناك 10 % فقط من تلقوا تعليما جامعيا.

و نجد أنه قد تم وضع عدد من المطلبات التي يجب أن تتوافر في المتقدمين الي أكادمية الشرطة الوطنية بعد أن تم افتتاحها مرة أخري في 12 يوليو 2004 و هي:

  • أن يكوم المتقدم ليبيريا, يتراوح عمره ما بين ال 18 : 35 عاما و ليس لديه أي سجل اجرامي من قبل.

  • اذا كان المتقدم يشغل منصب سياسي يجب أن يتنازل عنه و عدم السماح لأفراد الشرطة بتقلد مناصب سياسية لتجنب صراعات المصالح.

 

في عام 2007 تم إيقاف ما يقرب من 2500 ظابط بالشرطة الليبيرية الوطنية, و في العام التالي كانت قوات الشرطة التابعة للأمم المتحدة قد أتمت تدريب 58 % من أفراد الشرطة الوطنية الليبيرية, و لم تعد حالات الفساد و الرشوة مؤسسية كما كان من قبل بل أصبحت نادرة و في صورة فردية.

 

التحديات التي واجهت عملية هيكلة الجهاز الشرطي

نجد أن التحدي الأساسي الذي واجهته عملية الإصلاح عامة هو عدم ثقة الشعب في الحكومة الليبرية بشكل عام و الجهاز الشرطي بشكل خاص, حيث كان الجهاز الشرطي كما أشرنا سابقنا مسيس و يعمل لصالح الرئيس و تورط في الكثير من انتهاكات حقوق الانسان و استخدام العنف ضد المدنين, بالإضافة الي تناقص أعداد القوات فوفق أحدي الإحصائيات وجد أن هناك شرطي واحد لكل 850 مواطن من أجل حمايتهم, الي جانب نقص التمويل و هو ما أثر بدوره ليس علي عمليات التدريب فقط و لكن بالاضافة الي التأثير علي قدرات و معنويات أفراد الشرطة,  كما شكل نقص التمويل خطرا محتملا بعودة الظباط الموقفين لممارسة العنف مرة أخري من أجل كسب معيشتهم.

 

وفيما يخص عملية إعادة الهيكلة للقوات المسلحة فكانت عملية إعادة هيكلة و تدريب القوات المسلحة الليبيرية من أكثر عمليات الاصلاح الأمني إثارة للجدل, فعلي الرغم من اتفاق السلام الشامل علي إعادة هيكلة القوات المسلحة إلا أنه ثارت النقاشات حول تلك المسألة فنجد أن الحكومة الليبيرية قد تعرضت لظغط و نقد شديد بسب الطريقة التي سوف تتم بها تلك العملية حيث:

  • عملية التفكيك الكامل للقوات المسلحة سوف تكون علي العكس تماما مما نص علي اتفاق السلام الشامل, فقد نص الاتفاق علي أنه سوف يتم اعادة تنظيم القوات المسلحة من خلال اعادة هيكلة مجلس القيادة.

  • قلة خبرات المجنديدن الجدد في صفوف القوات المسلحة يجعل من الصعب علي أحدهم أن يتولي منصب قيادي, مما أجبر الحكومة الليبيرية أن يتولي المنصب القائد العام للقوات النيجيرية كقائد للجيش الليبيري.

 

و قد بدأت تلك العملية في يناير 2006 بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية و التي قامت بتدريب مت يقرب من 2000 ظابط قوات مسلحة, و كما حدث مع الجهاز الشرطي فقد تم وضع عدد من المعايير لمن يريد أن يقوم بالتقديم في القوات المسلحة الليبرية و هي تتعلق بالجنسية و العمر السجل الجنائي الخاص به و مستوي التعليم. و قد استمرت عملية التدريب تلك 5 سنوات بعد أن تم رفض 75 % من 13650 متقدم و في عام 2006 تم تخرج 105 مجند مدربين وفق اتفاق السلام الشامل و من ثم تبعها دفعات متزايدة من المتدربين.

 

و قد واجهت عملية اعادة بناء و هيكلة القوات المسلحة العديد من التحديات حيث:

أدي التأخر في بدأ عمليات التدريب الي وجود سلوك إجرامي لجزء من القوات في منتصف شهر يونيو 2005 تم نهب ثكنة عسكرية كبيرة تبعتها عمليات شغب في العاصمة  مونروفيا. الي جانب نقص التمويل مما أدي الي تأجيل و الغاء ثلاثة أسابيع من التدريب علي حقوق الانسان و احترامها الي جانب عدم وجود هيكل عمل واضح لعملية الاصلاح الأمني.

 

في النهاية نجد أن عملية إصلاح الجهاز الأمني في ليبريا قد أتت بثمارها بنسب معقولة فقد عادت الثقة مرة أخري بين الجهاز الأمني و المواطنون, لكنه يجب الإشارة الي أن البعض يعتقد بأنه سلام هش حيث أن قوات بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في ليبريا مازالت متواجدة حتي الان في ليبيريا مما يعني أن قوات الأمن الليبرية لم تكن في موضع اختبار منفرد لكن هذا لا يعني أنه لم يتم عملية اصلاح أمني هامة في ليبيريا, و يبقي في النهاية ان نشير إلي أنه علي الرغم من الدعوة لعملية الإصلاح قد أتت من الخارج إلا أن هذا لا يقلل من أهمية الإرادة السياسية و الرغبة الداخلية في انهاء حالة الصراع و بدأ مرحلة جديدة في تاريخ الجمهورية الليبيرية.

 

 


تعليقات