انشاء حساب



تسجيل الدخول



لقطة من أحد مشاهد فيلم"هيبتا" الذي نال سخرية البعض
16 مايو 2016
14524

منذ عدة سنوات، تحديدًا مع ذيوع صيت الكاتب "أحمد مراد" ورواياته، تعالت أصوات هنا وهناك تسخر من الرجل، تسخر من كتاباته، ثم تسخر من قرائه.

وأنا هنا عندما أتحدث عن سخرية أو نقد، فإنني أقصد ما أعرب عنه "العامة"، وليس النقاد الأدبيون أو الأدباء الكبار.

 

رأى عدد من القراء "أصحاب القراءات العميقة"، إن صح التعبير، أن الفيل الأزرق، رواية أحمد مراد الثالثة، أو تراب الماس أو فيرتيجو، روايتيه الأوليين، نموذج للمادة الأدبية السطحية، إن لم تكن الضعيفة، التي نالت من الشهرة أكثر مما تستحق بكثير.

 

وقبل أن أسترسل وأنتقل إلى ظاهرة "هيبتا" روايةً وفيلمًا، دعوني أعود إلى الماضي القريب قليلًا، فالأمر لم يبدأ بمراد، ولن ينتهي بهيبتا..

 

 

في نهايات العقد الماضي، تحديدًا في الفترة بين عامي 2005 و2010، شهدت السوق الأدبية صعود ما يعرف بـ "الأدب الساخر" بين أوساط الشباب، وما تبعه من تزايد معدلات الإقبال على القراءة من فئة عمرية عُرف عنها لفترات طويلة أنها بعيدة كل البعد عن الثقافة بشكل عام.

 

ربما تمثل تجربة الكاتب "عمر طاهر" تجربة مؤثرة بقوة على سوق الإنتاج الأدبي في مصر، وربما تكون سببًا رئيسيًا لما حدث بعد ذلك وانتشار ظاهرة "أحمد مراد" ومن بعده ما أسماه البعض "كتاب السوشيال ميديا".

 

أذكر كيف نال كتاب عمر طاهر "شكلها باظت" شعبية كبيرة في أوساط الشباب، وكيف ساهم موقع "فيسبوك" في الدعاية له. الكتاب كان يتحدث عن أحوال البلاد والعباد بطريقة ساخرة تميز بها عمر طاهر، وكان رائدًا لعودة ذلك الأسلوب، ومساهمًا في انتشاره. تبعه العشرات وربما المئات من الكُتاب الشباب الذي سلكوا مسلك الكتب الساخرة ذات العناوين التي تحمل قافية أو وزنًا، أو تقتبس من عناوين مؤلفات سابقة وتعدل فيها بشكل ساخر كثيرًا ما يمكن وصفه بـ "الاستظراف" والقدرة على ما نسميه اليوم "ألشًا".

 

الأمثلة كثيرة ولا حصر لها، لم ينل أغلبها شهرة كبيرة، لكن بمرور الوقت أصبحت تلك الأسماء تبرز على مواقع التواصل الاجتماعي بعد كتابها الثاني والثالث (وهنا يجب الانتباه، فهؤلاء قد أصبح لديهم رصيد ما وخبرة ما بكل تأكيد)

 

طوال تلك الفترة، التي تبدأ ببزوغ نجم  عمر طاهر حتى ظهور أحمد مراد، مصمم الأغلفة في الأساس، لم تكن حالة السخط والنقد بارزة مثل السنتين الأخيرتين.

 

ما حدث أن سوق الكتاب في مصر شهدت ما يمكن وصفه بـ"الاكتساح" لكتب الشباب، والذي كان أغلبهم يخطو خطوته الأولى في الكتابة والنشر بما فيها من قصور وبدائية وبساطة وربما "سطحية"، بل و"إسفاف" في نظر البعض، وهو ما أزعج القراء الذيين مثلت القراءة بالنسبة لهم التنقل بين كتابات قامات أدبية مثل نجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو يحيى حقي أو غيرهم من كبار كتاب مصر بين الخمسينات والسبعينات، إلى جانب الكتابات الفكرية المتنوعة في الفلسفة والتاريخ والسياسة اوالاقتصاد من مختلف التوجهات الفكرية.

 

لكنني لم أنزعج، وأختلف مع هؤلاء المنزعجين وأقول، إن هذه الطفرة في أعداد "القراء" من الشباب، وذلك الإقبال الممتد من أواخر العقد الماضي وحتى الآن يجب أن ينظر له باعتباره انتصارًا للثقافة في مصر، وخطوة على طريق استعادة القراءة لمكانتها في الجدول اليومي للمصريين.

 

إنني أرى أن عمر طاهر وأحمد مراد ومصطفى شهيب ووليد ديدا ومحمد صادق وأقرانهم، ساهموا، كل بطريقته وقدر إبداعه، في تحسن علاقة الشباب المصري بالكتاب، وباختصار، أرى أن دخول الشاب أو الفتاة إلى المكتبة لشراء كتاب ما لأول مرة بسبب كثرة الحديث عنه، أو بسبب ترشيح صديق له، هو خطوة شديدة الإيجابية، وتطور يجب أن يسعدنا، ويجب أن نسعى إلى البناء عليه، بل ينطبق ذلك أيضًا على البحث عن النسخ الإلكترونية لتلك الكتب على الإنترنت، فهو مؤشر جيد لزيادة شعبية الكتاب بشكل عام.

 

لم يرتكب "محمد صادق" جُرمًا بكتابته لرواية مثل "هيبتا" تتحدث عن العلاقات العاطفية بشكل بسيط وسلس وقريب من الواقع، وما تراه أنت "مُحنًا" يراه غيرك واقعًا ملموسًا عايشه بنفسه، بينما لم تعايشه أنت..

 

ولم يرتكب "وليد ديدا" فاحشة بجمعه لمجموعة من الكتابات الشبيهة بـ "بوستات الفيسبوك" في كتاب واثنين، لقد جذب فئة لم تكن لتعرف القراءة يومًا إلا بهذه الطريقة، في الوقت الذي كنت تبذل جهدًا في  "الحزق" والصراخ حزنًا على القراءة التي هجرها الشباب، ولم يصل "حزقك" إليهم يومًا ولم يحركوا له ساكنًا.

 

لاحظوا العدد المتزايد للأعمال الروائية التي تتحول إلى أعمال سينمائية وتليفزيونية مؤخرًا، الأمر جدير بالتأمل، فلم يعد "السيناريست" هو المصدر الأوحد للكتابة الدرامية، وكذلك لم يعد يقتصر الأمر على تحويل الأعمال الروائية الكلاسيكية إلى أعمال درامية، وأصبحنا نرى روايات لكُتاب شباب تتحول إلى أفلام ومسلسلات، "عايزة أتجوز"، "الفيل الأزرق"، فيرتيجو، هيبتا... وغيرها، أعمال لكتاب شباب تنوعت بين الأدب الساخر والروايات وتحولت إلى أعمال درامية، بالطبع نختلف ونتفق حول مستواها الفني والأدبي، لكنه يظل مؤشرًا آخرًا على أهمية ما يحدث في الحركة الأدبية في مصر في السنوات الأخيرة.

 

وما بين "شكلها باظت" و"الفيل الأزرق" و"مُشوّش" و"هيبتا" وغيرها فروقات ربما نتحدث عنها في موضع آخر، فأنا هنا لا أقارن بين تلك الأسماء أو بين مؤلفيها، لكنني أتحدث عن تلك الحالة الثقافية التي تزعج من يعتبرهم البعض، أو يعتبرون أنفسهم، "مثقفين"، بينما أرى أن تلك الحالة نقطة إيجابية في صالح القارئ والكاتب والقراءة بشكل عام.

 

وهنيئًا لماما سوزان، فأخيرًا يتحقق شعار "القراءة للجميع" على أرض الواقع بعد كل تلك السنوات من إصدارات "مكتبة الأسرة" التي لم تسمن ولا تغني من جوع، وتلك حكاية أخرى.


تعليقات