انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: سامح خليل
26 فبراير 2015
11971

أسوار عالية تحجب جغرافيا المكان لمن ينظر من الخارج، بوابة حديدية يقف عليها حارس أو أكثر. إثر اجتياز البوابة بعد تفتيش بسيط في بعض الحالات، هناك ساحة كبيرة نسبيا للتمشية. يحيط بالساحة مبني أسمنتي ذات لون باهت، قد يرتفع لدورين أو ثلاث. ممر طويل علي جانبيه غرف صغيرة لها مدخل واحد، باب يكون في معظم أوقات اليوم مغلق. جرس يهز بضجيجه فضاء الساحة، معلنا أوقات محددة لدخول الزائرين أو خروجهم من المبني. ميكروفون معلق عند أعلي نقطة تطل علي الساحة، غير مسموح باستخدامه إلا لأشخاص بعينهم. وفي منتصف الساحة، ساري طويل معلق عليه علم مصر.

طوابير صباحية وأخري عند انتهاء دوام العمل، أشخاص يقفون في منتصف الممرات يقذفون بأنواع مختلفة من السُباب لمن يخرج عن الصف ويتطاولون بأيديهم وأرجلهم علي كل من تسول له نفسه الانحراف بضعة خطوات عن الطريق المحدد.  

قل لي عزيزتي وعزيزي القارئ: هل هذا معتقل أم مدرسة؟

  (2)

التشابه الذي قد يصل إلي حد التطابق بين هندسة السجون والمدارس في عصرنا الحديث شئ لا يمكن التغافل عنه بكل بساطة. هذا التشابه الكبير لا يتوقف عند مجرد جغرافيا السجن أو المدرسة بل يتجاوز بكل وضوح إلي طريقة عمل الإثنين. الطلبة يخوضون تجربة المعتقل يوميا دون أن يكونوا حتي علي دراية بذلك. ليس من الغريب إذا أن يكون عدد كبير من المعتقلين في السجون المصرية حاليا من صفوف الطلبة وليس عجيبا أيضا أن يهتم غالبيتهم، بصورة أو بأخري، بقضية المعتقلين.

(3)

علي نفس نمط جغرافية المعتقلات والمدارس - والتي كما أشرنا مسبقا تكون "مربعة" - تسعي الدولة أن تستبدل فرديتنا (التي تختلف من شخص لآخر وتشمل تقريبا كل شئ بداية من تجاربنا الشخصية إلي تفضيلاتنا في الأكل والحب والأهداف التي نريد تحقيقها) بنسخة أقل إثارة للمشاكل بالنسبة لمن في السلطة حيث الإجابات جاهزة علي أسئلتنا (التي تنبع من التناقضات التي نراها يوميا بين ما يقال وما يتم علي أرض الواقع) وحيث حدود تمردنا وخروجنا عن الصف محددة بما يراه جحافل من الموظفين والمملين ومحدودي الذكاء.

إن المدارس موجهة بالأساس لمحاولة كبت وتهميش أي أسئلة محرجة قد تنبع من الطالب ومن ثم المواطن. المدارس تقدم إجابات "جاهزة" مهمتها الرئيسية هي بالتحديد وضع وعي الطالب وإدراكه للعالم الذي حوله في مربع محكم، مُحاط بأسوار عالية علي نمط "الإجابة النموذجية" و ظروف تدفعه إلي الاتجاه للدروس الخصوصية وما يشابهها من ممارسات مشوهة.

حسنا، لكن ماذا يحدث إذا ظل الطلبة يطرحون أسئلة غير تلك المحددة في الكتاب والمسموح بها؟

هنا ينقلون إلي المربع الآخر، حيث القمع الفكري يتحول لقمع جسدي مباشر.

(4)

تواجد شركات الأمن الخاصة (مثل فالكون) وعمليات التفتيش غير القانونية التي تحدث علي أبواب جامعات مصر للطلبة  ليست إلا التعبير الأسمي والأكثر صدقا عن وظيفة تلك المؤسسات في كل مكان. فقد فشل التعليم في أن يقنع الطلبة – والمصريون عامة – أن مصر فعلا "أم الدنيا" وأن طقسها حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاء. لقد فشل التعليم في أن يوهمنا – وفشله ذلك إنقاذ لإنسانيتنا – إن "بكره أحلي" مثلما تحاول برامج التوك شو جعلنا أن نصدق. وعندما قرر الطلبة الخروج عن الخط وامتلاك الجرأة الكافية للنظر وراء الأسوار، شهدت الجامعات المصرية عمليات قتل ممنهجة حاولت فيها السلطة إعادة هؤلاء المشاغبين إلي الصفوف المنظمة والفصول المزدحمة.

سخرية المشهد هي كالتالي: مدرعات أمن مركزي وعشرات من العساكر المقنّعين متواجدون علي مداخل المؤسسات التربوية، بينما يصطف الطلبة في طوابير طويلة للتفتيش والتدقيق. طوابير مفترض أنها تؤدي بالطلبة في آخر المطاف إلي تلقي العلم والمساهمة في رفعة المجتمع لكنهم يكتشفون أنهم يدخلون طواعية إلي معتقل مختلف، يرفع يافطة عالية عنوانها "الجامعة".

سريعا ما يدرك الشاب/ة أن الحياة أي شئ غير أن تكون مربعة وأنه لا وجود لإجابات نموذجية علي أي موقف. كل حالة هي فريدة من نوعها تستدعي عملية من التفكير والتفنيد والتفضيل. وهذا ما لا تريده الدولة أن تقدم عليه.

 (5)

هناك أشياء كثيرة يمكن فعلها لإخراج المظلومين من زنزانتهم وربما تكون الخطوة الأولي والأهم هي تحطيم الفصول وهدم الجامعات بشكلها الحالي.      

 

الصورة: من المصرى اليوم


تعليقات