انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: شبكة شفاف
26 يناير 2016
12276

مقال مشارك في مسابقة شفاف لشباب كُتَّاب المقال 2016

كتبه - سارة مصطفى عبد الفتاح

 

اثنان من القتلة المأجورين، “ماكس” و”آل”، يدخلان مطعما في إحدى ضواحي شيكاجو. مدير المطعم اسمه “جورج” ويساعده شخص يدعى “نِك آدمز”. بعد انتهاء الرجلين من طعامهما، يدخل “آل” إلى المطبخ ويقيد “نِك” و”الطاهي” ويبقى “ماكس” مع “جورج” في الخارج. يكشف الرجلان عن أنهما ينتويان قتل ملاكم معتزل يدعى “آندرسون” كخدمة لصديق، ولقد جاءا إلى هذا المطعم لأنه مكانه المعتاد لتناول العشاء. بعد خروجهما، يسأل “نِك” رئيسه “جورج” عن محل سكن “آندرسون” ليذهب لتحذيره بينما يحاول “الطاهي” إقناعه بعدم التدخل في الأمر. يذهب “نِك” إلى “آندرسون” فيجده مستلقيا في سريره، يخبره بما حدث فيقول له “آندرسون” أن لا يفعل شيئا، وأنه غير مبال. يعود “نِك” إلى “جورج” فيجده غير مهتم هو الآخر، فيقرر أنه سوف يترك هذا المكان بحثا عن مدينة أفضل أقل فسادا، هذه هي أحداث قصة “القتلة” لارنست هيمنجواي.

 

في إحدى المحاضرات سألت الأستاذة الجامعية: من يريد الهجرة إلى أمريكا أو سويسرا، أو يظن أنها فكرة جيدة؟ ثم سألت من يفضل البقاء في مصر؟ بعد تحديد “الخونة” الذين يريدون الهجرة، توجهت بالسؤال إليهم مرة أخرى إذا كانوا يريدون الهجرة إلى أمريكا أم سويسرا، ثم صمتت قليلا وأضافت أم إلى العراق أم سوريا أم الصومال.. إلخ وعددت بعض الدول التي تمر بأزمات مختلفة في محاولة بالغة الخبث والذكاء لقلب الطاولة على رؤوسهم لتثبت أنه إذا كانت هناك دول أفضل من مصر، فهناك أيضا ما هو أسوأ منها.

 

الأستاذة تشعر بالرضا تماما مثل جورج، وآندرسون، والطباخ في القصة، لكن “نك” ليس مثلهم، لا يمكنه أن يتأقلم مع الأوضاع القائمة، لا يستطيع أن يكتفي بأن “الأوضاع سيئة فقط وليست سيئة تماما”، هو يعلم أن هذا العالم يحتوي على ما هو أفضل، وهو يستحق هذا الأفضل. لابد أن “نك” كانت لديه أحلام كثيرة لمدينته قتلها فساد “ماكس” و”آل”، وشارك في الجريمة “جورج”، و”آندرسون”، والطباخ، والأستاذة الجامعية، الذين لم يكتفوا بالصمت، بل أرادوه هو أيضا أن يصمت ويقبل؛ لأن شيكاجو كما مصر “فيها حاجة حلوة”، وإن كانت العصابات ترتع فيها دون رادع.

 

ربما كان “نك” أسعد حظا من بعض الطلبة الذين كانوا موجودين في المحاضرة السابق ذكرها، فـ”نك” كانت لديه أحلام ماتت قبل أن تولد، أما أحلام هؤلاء الطلبة تم وأدها في مهدها ولم يتبق منها أي أثر سوى لافتة معلقة مكتوب عليها (شارع محمد مصطفى كاريكا) يكتفون بالنظر إليها في ذهابهم وإيابهم في مشاعر متناقضة، مزيج من الحزن والسعادة والغضب، هذه اللافتة هي “الحاجة الحلوة” الوحيدة المتبقية، وهي الدلالة على أن قاطني هذه الأرض لم يكونوا دوما من الموتى، بل سكنها في وقت ما بعض الأحياء، وهي الدلالة أيضا على أن الأمل وجد هنا سابقا، وقد يعود يوما ما، وربما وقتها عاد “نك” ليصنع النموذج الأفضل الذي طالما حلم به.

 

في النهاية، يبقى رحيل “نك” حقيقة، ولا يحق لـ “جورج” أو “آندرسون” أو الطباخ أن يعاتبوه على فعله، فاذا كان بإمكانك أن تتوجه باللوم للروح عندما تترك جسد المقتول، فبإمكانك معاتبة “نِك” على مغادرته لبلدته بحثا عن الأمل في مكان آخر وبشر آخرين، فلقد أراد التشبث بالأمل ولكن يبدو أن الأمل لم يتشبث به، حاول البقاء، ولكنهم أجبروه على الرحيل.


تعليقات