انشاء حساب



تسجيل الدخول



06 يناير 2016
11873

منذ تأخر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إعلان نتيجة البت في الطعون ضد انتخاب رئيس اتحاد مصر ونائبه، وردود الفعل التي تشكك، ومن ثم تتهم الدولة –ممثلةً في الوزارة- بالتآمر ضد الاتحاد تتزايد، وقد انتقلت واستشرت بين طبقات من أساتذتنا، ومن غيرهم، ومنهم المحسوبون ضمن الداعمين لنظام الدولة السياسي الحالي.

 

ويرتكز الاتهام على أن من أتت بهم صناديق انتخاب الاتحاد، هم ليسوا على هوى الأجهزة الأمنية، فبالتالي قررت الدولة أن تمكر مكرها، فتحايلت على النتيجة وقضت ببطلانها، وقد تحوَّل الاتهام بمرور الوقت إلى نظرية سائدة مسيطرة، وما سواها هي وجهات نظر مفردة.

 

شخصيًّا، أنا لا أستكين إلى الصوت السائد، وأنتهز الفرصة للتشكيك فيه؛ لاعتبارات أربعة:

 

أولها، مسألة انتماءات الطلاب الفائزين، وكونها هي السبب في ما خلصت إليه الوزارة، وهذا الاعتبار فيه تفصيل.

 

فبدايةً، لست أرى للطلاب الفائزين –وأقصد بالتحديد رئيس الاتحاد ونائبه- أي انتماءات سياسية محددة واضحة، وكون ما يقال عن أن الطالبَين "ينتميان لثورة 25 يناير"، هو انتماء عام فضفاض؛ ولن يكون حرجًا لأي مسؤول في الدولة أن يعلن أنه "ينتمي لثورة 25 يناير"، وإن واتت الفرصة الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه أن يدّعي "انتماءه لثورة 25 يناير" لادعاه؛ فلا أظنه يمثل مشكلة في حد ذاته.

 

بل، وما ذُكِر عن الطلاب المحبوسين، فلا أظنه من عميق المحظورات أيضًا، ونحن نرى مؤسسات صحفية تفتح ملفات قضايا مشابهة، بل وإن الرئيس –مرةً أخرى- ذكر أن في السجون مظاليمًا على الملأ، والدولة أصبحت كأنها تتعامل مع مثل هذه القضايا بوجه بارد.

 

وعلى كلٍّ، فقد قال رئيس الاتحاد في المؤتمر الصحفي الذي عقدوه بعد اجتماعهم، إنهم يقدرون دعم الرموز السياسية، ولكن قضية الاتحاد هي "قضية طلابية وستظل"، ولو أني لا أعرف حدودًا واضحة قد تفصل بين "القضية الطلابية" والقضية السياسية.

 

ثم إني لا أقدر على استساغة فكرة أن "الدولة" قد تفاجأت بـ "انتماءات" الطلاب الفائزين –إن سلمنا بها- بعد فوزهم، ولا أتصور مثلًا أن "الجهات الأمنية" قد غفلت عن تحري خلفيات الطلاب المرشحين لمقاعد اتحاد طلاب مصر على الأقل، ولا أظن أنهم قد شحت بهم الحيل إلا عن الوقوع في ما قد وقع.

 

وثاني الاعتبارات، أني لا أستبعد فكرة وقوع الخطأ الإجرائي بالفعل، وإن كان خطأ ارتكتبه اللجنة المشرفة على الانتخابات بنفسها، ذلك أني لست أرى العشوائية والتخبط والبيروقراطية ببعيدة عن تصرفات الدولة عامة، وإجراءات الانتخابات الطلابية بالتحديد، وأفهم جدًّا مسألة أن تجرى الانتخابات، وهناك اختلاف في اسم شاغل مقعد من مقاعد الاتحاد، وتقر اللجنة أنها قد تعاملت مع المشكلة، ثم حين تنقضي الانتخابات، يقضى بتسبب المشكلة في بطلانها، ليس غريبًا أن نفهم هذا في إطار العشوائية والتخبط والبيروقراطية.

 

ومثال آخر قريب له هو التأخر في إعلان البت في نتيجة الطعون نفسه؛ فلا نظرية المؤامرة، ولا تبرير الوزارة ذاته، يعطي سببًا مفهومًا للتأخر ذي النهاية غير المعلومة حينها، ثم حين حدث واجتمعت اللجنة المشرفة على الانتخابات لإقرار قرار ما أخيرًا، يوم الخميس الماضي، لم يصدر عن اللجنة بيان صحفي رسمي يشرح الموقف من وجهة نظر اللجنة، وتركت الأمر للتسريبات الصحفية، وتصريحات "المصدر المسؤول"، إلى أن أصدرت الوزارة بيانًا رسميًّا أخيرًا بعد يومين، ردًّا على ردود الفعل التي ثارت وأسمتها الوزارة بـ "اللغط".

 

وثالث الاعتبارات، أن الخطوة التالية التي تريدها الوزارة هي تحديد موعد آخر لانتخاب نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة الزقازيق، ومن ثم رئيس اتحاد طلاب مصر ونائبه، وحين الانتخاب الجديد، سيكون أعضاء المجلس المصوتون لاختيار الرئيس ونائبه هم أنفسهم الذين صوتوا في الانتخاب الأخير، وقد يستثنى من هذا نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة الزقازيق، أي إن من المنتظر أن تكون النتيجة واحدة، ولو كان للوزارة أن تزوِّر الانتخابات الجديدة، لزورت القديمة أصلًا.

 

أما رابعها، ونعترف أنه قد يكون أصل تشككنا، ما حاولنا تفصيله في مقال سابق، وملخصه أننا لا نؤمن بدور حقيقي قد يؤديه الاتحاد الطلابي بتشكيله وإطاره الحالي، مهما بلغ طَول قادته، والإنجازات الحقيقية التي قد يحققونها في هذا الإطار لن تكون في الغالب أكثر من الضغط على السلطة في قضية بعينها في اتجاه معين، بلا صلاحيات تمكنهم من التنفيذ بأنفسهم.

 

***

 

وبعد هذا الكلام كلِّه، أزعم أن مِن أكثر ما يهمني في الموضوع ثلاثة أمور:

 

1-أن نظرية تآمر الدولة ضد الاتحاد، في تصاعدها وانتشارها تدل، على أي حال، على انعدام ثقة واضح –وقد يكون متزايدًا- في النظام السياسي الحالي، سببه مناخ سياسي يجثم القمع على أجوائه.

 

2-أن هذا القمع، بجانب عوامل أخرى، يدفعنا أكثر فأكثر في اتجاه التسليم بالنظريات السائدة المسيطرة، والتخلي عن التفكير الناقد الذي قد يسبب زعزعة ما قد ترتئيه أهواؤنا، ليس هذه المشكلة بجديدة علينا، ولكن ما قد نلحظه في واقعة نظرية تآمر الدولة ضد الاتحاد، أن المشكلة ربما تكاد تتلمس طريقها بين طبقات "مثقفينا" وأساتذتنا، وتستشري، ولن يقودَنا إلى ما هو أقرب للحقيقة إلا تفكيرنا الناقد في أي آنٍ وقضية.

 

3-أنَّ سقف تطلعاتنا ينكمش في الحقيقة، أو هو منكمش أصلًا؛ فأولًا وأخيرًا، لا ينتمي رئيس الاتحاد ولا نائبه إلى حركة "طلاب ضد الانقلاب" مثلًا، ولا إلى حركة "شباب 6 أبريل" أو ما شابهها، ففكرة أن نؤمن هذا الإيمان الشديد بأن الدولة تتآمر ضد شخصين لذكرهما أمر الطلاب المحبوسين، هي تبدو لي كتعلق الغريق بالقشة، وتخوّفي أن القشة –بانكماش سقف تطلعاتنا- لن تكون إلا وهمًا.


تعليقات