مقال لـ "ماكس فيشر"
١- كل الإتهامات الباقية ضد الرئيس المصري السابق "حسني مبارك" تم اسقاطها من قبل المحكمة التي تولت قضيته. هو الآن حر.
٢- حكم مبارك منذ عام ١٩٨١ حتى ثورة عام ٢٠١١، عندما تم عزله من منصبه وحبسه بإتهامات تنوعت بين الفساد، ومسؤوليته عن قتل قوات الأمن المصرية للمئات من المتظاهرين، أثناء الثورة.
٣- الافراج عن مبارك هو نتيجة، رمزياً وحرفياً، لعودة مصر لكونها دكتاتورية عسكرية تشبه حالها في عهد مبارك، وذلك منذ الثورة في ٢٠١١.
لماذا تم الافراج عن مبارك؟
رسمياً، القضية تم حفظها بسبب نقطة فنية: النيابة العامة كان من المفترض لها أن تتبع إجراءات خاصة في مايو من عام ٢٠١١ عندما قامت بإضافة مبارك كمدعي عليه في قضية موجودة أصلاً، ولكنهم لم يستكملوا الأوراق اللازمة في الوقت المناسب. هناك أمور أخرى تجري بالطبع. على الرغم من إصرار القاضي على أن الحكم "ليس له أي صلة بالسياسة،" هذا العمر كله سياسة.
الإتهامات ضد مبارك كانت دائماً سياسية. في فبراير من عام ٢٠١١ تم عزل مبارك بثورة جماهيرية دعمتها المؤسسة العسكرية؛ بعد ذلك بمدة قصيرة، تم حبسه على ذمة إتهامات بالفساد (لقيامه ببيع الغاز الطبيعي لإسرائيل بأسعار أقل من سعر السوق، على سبيل المثال)، والقتل، لاعطائه الأمر لقوات الأمن بقتل المدنيين الذين تجعموا للتظاهر ضده. على الرغم من كون الإتهامات تكاد تكون دقيقة تماماً ودون شك - قوات الأمن قامت بالفعل بقتل المئات من المتظاهرين، ونظام مبارك كان معروفاً بفساده - فإن القضية ضده تم الإستعجال في توصيلها للمحكمة وذلك لإرضاء المزاج الثوري السائد في ذلك الوقت.
الآن، المزاج الثوري إنتهى. يحكم مصر اليوم عبد الفتاح السيسي، دكتاتور عسكري وعلماني قومي بالضبط كما كان مبارك. (أيضاً مثل مبارك، قام السيسي بالتخلي رسمياً عن رتبته العسكرية). نظام السيسي يشبه نظام مبارك جداً ويحتوي على العديد من نفس الأشخاص الذين كانوا معه في سدة الحكم. في عهد مبارك، كان القضاء المصري جهاز سياسي يمكن الإعتماد عليه (لصالح النظام)، حيث يعمل به الكثير من الموالين للنظام؛ هكذا هو الوضع الآن أيضاً.
السياسة كان من الواضح أنها ترجح الافراج عن مبارك، وهي السياسة - ليس سيادة القانون - التي كان من الواضح أنها كانت توجه هذه القضية منذ البداية. (في مايو، تم الحكم على مبارك بالسجن ثلاثة سنوات لمجموعة أخرى من الإتهامات تتعلق بالفساد، ولكنه كان قد أتم ثلاثة سنوات محبوساً إحتياطياً بحلول الشهر الذي تمت ادانته فيه، مما يعني أن المدة انقضت، وهو ليس لديه أية إتهامات أخرى ضده).
الافراج عن مبارك ليس مفاجيء، ولكنه ذو أهمية رمزية كبيرة
من الممكن ألا يكون السيسي قد أمر القاضي بتبرئة مبارك، ولكن هو لا يحتاج للقيام بذلك.
في الاعوام الأربعة الأخيرة، تغير إتجاه المناخ السياسي المصري ومعه الإعلام الرسمي؛ من العلمانية السلطوية في عهد مبارك، إلى العلمانية الليبرالية لثورة ٢٠١١٬ ثم إلى التوجه الإسلامي لحكومات الاخوان المسلمين المنتخبة ديمقراطياً في ٢٠١٢. ثم الرجوع مرة أخرى للحكم العلماني السلطوي لعبد الفتاح السيسي بعد إنقلاب يوليو ٢٠١٣.
القضاة لديهم ما يكفي من الذكاء ليعلموا من هو المتحكم في زمام الأمور وكيف يجب للأمور أن تسير. في حين أن إعلام السيسي الرسمي ليس مؤيداً لمبارك علناً - ذلك سيكون من الصعب بيعه بعد أن تسبب الغضب العام في خروج مئات الآلاف من المصريين إلى الشوارع للمطالبة باسقاطه - فإنه يقوم علناً بإدانة قادة ثورة ٢٠١١، بالإضافة لجماعة الاخوان المسلمين التي وصلت للسلطة في ٢٠١٢. يقوم السيسي أيضاً بتمجيد نفسه كمكمل لعهدي قائدين عسكريين سابقين لحسني مبارك، جمال عبد الناصر وأنور السدات. كان مبارك يقدم نفسه أيضاً على نفس المنوال.
هذه اللحظة تعبر عن التحول في الرأي العام المصري منذ ٢٠١١. في ٢٠١٣، قام عدد ضخم من المصريين بالتظاهر من أجل الطلب من المؤسسة العسكرية أن تقوم بإنقلاب ضد نظام الاخوان المسلمين المنتخبين ديمقراطياً، والذي أصبح غير محبوب من جانب عموم المصريين. العديد من نفس الشباب الذي ناضل من أجل الديمقراطية هللوا لقيام الجيش بإستيلاء على السلطة وذبح الاخوان المسلمين في الشوارع. المواقف العامة ناحية مبارك ليست بالضرورة دافئة، ولكن فكرة الدكتاتورية العسكرية على النهج المباركي أصبحت ذائعة الصيت مرةً أخرى.
هناك أيضاً درجة عالية من الإنهاك فيما يخص السياسة في مصر. الإقتصاد في حالة من التمزق؛ اعوام من الاحتجاجات والإضطرابات لم تترك الكثير من المصريين في وضع أفضل. كل ما سبق تسبب في نزول بضع المئات فقط إلى الشوارع في القاهرة بعد الحكم ببراءة مبارك، بعد أن تظاهر ضده مئات الآلات في ٢٠١١. الرد العام كان ولايزال صامتاً في الأغلب، ولا يبدو عليه ايت علامات تفيد بأنه سيتزايد، وهذا يقول الكثير عن درجة التغيير التي حدثت منذ تظاهر مئات الآلاف من المصريين للمطالبة بتنحي مبارك منذ أقل من أربعة اعوام.
رابط المقال الأصلى: http://www.vox.com/2014/11/29/7306445/egypt-mubarak-released