انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: محمد عبد اللطيف
28 نوفمبر 2015
11990

(عمو، ممكن أقول لك حاجة تكتبها لى)

هكذا قالتها بصوتها الطفولى الذى فقد جزء من برائته بفعل التسول ، نعم فهى طفلة متسولة تسأل الناس صدقة أو حسنة؛ تستغل صغر سنها والنمش الجميل على وجهها وجديلتها المنسدلة خلف ظهرهها وثيابها الرثة بعض الشئ، أعطيها ورقة وقلم وأخبرها بأن تكتب ما تريد نظراًً لإنشغالى، ولكنها ردتهم لى مرة أخرى وقالت بصراحة لا تليق بطفلة كادت تنهى مرحلتها الإبتدائية من التعليم (مش بعرف أكتب) كانت تلك صراحة وقحة فى نظرى، ولكن قلت لعلها ليس بمدرسة فربما يكون لها عذر، ولكنها بالفعل كانت بمدرسة بالصف الخامس الإبتدائى، أى لم يتبقى غير عام دراسى واحد فى المرحلة الإبتدائية حتى تنتقل إلى المرحلة الإعدادية، وبعد تلك الإجابة المروعة جال فى ذهنى كثير وكثير من التساؤلات كيف تخطت الأعوام السابقة بنجاح؟، ومن خدعها وأخبرها بأن النجاح بذلك الشكل تعليم؟

 

لن أخوض ولن ألوم أهلها ولا مدرستها ولا الدولة التى لا تقوم بدورها، لن ألوم حالتها المادية ودوافعها أو ربما إجبارها أن تتسول بين الورش والمحلات بذلك الشكل، بل سألوم أولئك المحسنين الذى يحسبون أن بصدقتهم المادية تلك ينالون حسنة تنفعهم دنيا أو آخرة، أولئك الذين شجعوها على الإستمرار وسؤال الناس، سواء كانت فى حاجة لمال أو لا، أولئك المحسنين الذين يتخيلون أن مالهم يحسن من الوضع ويزيح الجهل بتلك الطريقة، ويذهبون إلى منزلهم راضيين النفس!.

 

فى الحقيقة إن إحسانهم بتلك الطريقة إسائة وشر، بل شر لا يغتفر وسيئة تعبر عن ضيق فهم وقصر نظر، فتلك الفتاة عندما أخبرتنى بما تريد وكتبته فى الورقة، كان عبارة عن أدوات مدرسية، لاعرف ما قيمتها وهى لا تعرف القراءة والكتابة، لماذا تشترى أدوات مدرسية وهي لا تعلم أصلاً (ألف باء) أعطيتها جنيها تشجيعا منى على أن تأتى بعد عشرة أيام حافظة للحروف الأبجدية أو جزء منها وتكتبها، وأتفقنا عل ذلك وكانت متحمسة جداً لأنها لو فعلت ذلك سأعطيها عشرة جنيهات، فما تلك الجنيهات إلا مكافأة لها ستحصل عليها لو أتمت إتفاقنا، وليس تسول دون مقابل، وإن كان تسول أو شحاذة فهو تسول وشحاذة للمعرفة وعلم يقيها على الأقل بعض شرور الحياة!

 

أتت مرتين أو أكثر خلال العشرة أيام تسألنى أن أعطيها شيئا، ولكنى رفضت وقلت بإصرار (مش عايز أشوفك غير لما تحفظى الحروف وتكتبيها قدامى) وبالفعل أتت بعد عشرة أيام، ولكن للأسف،لم تحفظ شئ ولم تكتب أى شئ،وما قيمة ذلك بالنسبة لها إذا كان هناك محسنون يعطونها المال سواء كانت فى حاجة له أم لا.

خفضت سقف حلمى وأخبرتها بأن تأتى بعد عشرة أيام أخرى ولكن بشرط أن تحفظهم بالترتيب،وجائزتها المالية كما هى وربما يكون معها جائزة أخرى، ولكن للأسف أتت دون أن تتم شئ، فسألتنى بأن أعطيها شئ على أن تأتى المرة القادمة حافظة، ورفضت بشدة وأغتظت، ولكن مانفع غيظى إذا كان من بجوارى يعطيها مسألتها دون بال.

إن كان هناك حقيقة أو شئ يستدل عليه من تلك القصة البائسة، بأن المحسنين وأصحاب القلوب الرقيقة لايزيدون الطين إلا بلة حتى يصبح وحلا وبِركة قذرة سنغرق فيها جميعًا، ذلك العمل الخيرى المُسكن الأسوء من الوجع!

 

يكفى إحسانكم بذلك الشكل المسئ ومسكناتكم التى تجعل المرض يستشرى دون أن يشعر المريض، يكفى.


تعليقات