انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: سامح خليل
08 نوفمبر 2014
11904


صمت تام يملأ أرجاء الغُرفة الواسعة ،صمت يجعلك قادرًا علي سماع دقات قلب ذلك الشاب الذي يدخل إلي الغرفة مُكبلًا بالقيود.
يلقي نظرة علي الحضور وهُم غارقين في صمتهم ثم يُكمل طريقه ليقف في قفص يبدو و إنه قفص إتهام،الأن الرؤية بدت واضحه هذا الشاب هو مُتهم و تلك الغرفة ماهي إلا قاعة محكمة.

بمجرد دخوله القفص بدأ الصامتون في الحديث و التهامس ثم بدأت أصابعهم تشير إلي الشاب النحيف،كان من الصعب تمييز مايقولونه فقد إنطلقوا يتحدثون في آن واحد وتشابكت أصواتهم وكأنها أصوات صادرة من خلية نحل .

عاد الحضور للصمت مرة أخري بمُجرد نظرة من ذلك الرجل السمين الذي يدخل القاعة،بالكاد يستطيع هذا الرجل السير ولكن نظراته كانت بمثابة الأمر للحضور،كان من البديهي أن نُدرك إنه القاضي،وقف الحضور ثم أومأ لهم برأسه فجلسوا بعدما جلس هو أولًا.

" نادِ علي المُتهم " قالها بصوت أجش،حتي صوته كان قاسِ ربما أقسي من تعابير وجهه .
فصرخ أحدهم : المُتهم الأول و الأوحَد " ثـــائر سعيد "
تبعه صوت الشاب في القفص " نعم" قالها بصوت عالِ و ثابت لا يتوافق مُطلقًا مع مظهره النحيف فمن يراه للوهلة الأولي يظن إنه لن يستطيع الحديث للأبد ، مظهره يوحي بإنه لن يستطيع حتي أن يحرك فمه من كثرة الإعياء الواضح علي ملامحة، لا شئ يميز هذا الشاب علي الإطلاق سوي هذا البريق في عينيه،نظراته كلها ثاقبه ،نظرات تُعلن التحدي لكل من حوله بمن فيهم القاضي .

عَدل الرجل السمين جلسته ثم وجه كلامه إلي ثائر " أنت مُتهم بإثارة الفوضي وتكدير الأمن العام و مهاجمة الجيش والشرطة والتآمر علي الوطن وقلب نظام الحُكم حتي دون إيجاد بديل وكسر القوانين و القواعد علي مدار ثلاث سنوات .

ثائر : فوضي !! أنا أبعد كُل البُعد عن الفوضي،بل أنا من علمتهم - مشيرًا إلي الحضور - كيف يكون النظام،أنا من جعلتهم يعرفون كيف يقفون في الميادين ينطقون بكلمات كانوا قد نسوها منذ زمن ،علمتهم كيف ينطقون حروف كلمة " حرية "و من بعدها علمتهم كيف يقفون أمام لجنة إنتخابية يدلون بأصواتهم،بل وعلمتهم أن أصواتهم ذات قيمة،أو علي الأقل حاولت أن أعلمهم ذلك،فلا تجلس أمامي الأن تُحدثني عن الفوضي ، الفوضي أنتم من أبتدعتوها،أما أنا فلا علاقة لي بها .

القاضي : أنتَ كنت تلعب بعقول الناس،أنت جعلتهم يعتقدون أن الحل سيأتي بقلب نظام الحُكم ولم تقدم لهم البدائل حتي كفروا هُم أنفسهم بك و بمعتقداتك .

ثائر مبتسمًا : إختلقتم الكذبة وظللتم تكرروها حتي بدأت أنا نفسي في تصديقها،نعم قلبت نظام الحُكم ولم أكن وحدي يومها ولن أستطيع نسب ذلك الشرف لي وحدي ،أنظر إلي تلك الوجوه التي تلعني الأن،منهم من كان معي يوم قلبت هذا النظام ولكنهم الأن فضلوا المشاهدة عن الوقوف بجانبي هُنا، أما البدائل فقد قدمتها مرارًا و تكرارًا و أنتم من رفضتم الأخذ بها ،إن كنت تريد الحديث عن البدائل فأول البدائل كان مكتوب في لافتة كبيرة وضعت علي مبني ضخم في قلب ميدان التحرير طوال مدة 18 يوم ، قُلت لكم يجب أن يتولي شئون البلاد مجلس رئاسي مدني مكون من أشخاص كانوا بجانبي دائمًا في الميدان، فرفضتم وقررتم أن يتولاها مجلسكم العسكري الذي ملأ الأرض فسادًا و كذبًا و زورًا ، قُمتم بعمل إستفتاء فقُلت يومها " لا " هذا الدستور سيقودنا لما لا يُحمد عُقباه فقررتم أنتم أنها " نعم " ولا شئ غيرها، جاءت إنتخابات مجلس الشعب فقُلت لكم إننا البديل و عرضت البديل في صورة قائمة تُدعي الثورة مُستمرة فرفضتموها و جعلتم الأغلبية في البرلمان ممن هُم في مثل أعماركم ورفضتوا أن أصبح أنا البديل حتي وإن كنت أري المستقبل بعين أفضل و أليات أفضل للعمل و لكنكم فضلتم عين الماضي الذي مازلتم تعيشون فيه .

أتعلمون حتي في إنتخابات الرئاسة رفضت العودة خطوة للوراء و قدمت بديلًا طالبت إثنان من المُرشحين أن يتحالفا ويتحدا من أجل المُستقبل، من أجلي و من أجل ما حلمت به لي و لهم ،ولكن ولأنهم مثلكم قرروا التخلي عن حلم مُشترك من أجل حلم حلمه كلًا منهم علي حِدي، لم أكن أنا فيه .

القاضي أخذ يُقلب في أوراقه وكأنه لم يكن متوقع رد ثائر ثم خرجت الكلمات منه في غير ترتيب : الجيش و الشرطة ، أنت مُتهم بمهاجمتهم بإستمرار بل كرهتم وصورتهم للناس كما لو كانوا الشياطين و أنتَ الملاك .

ثائر : تحت هذا السقف لا يوجد ملائكة،لم أكن يومًا منهم حتي ، أما عن الهجوم المزعوم علي الجيش و الشرطة،فهو أيضًا لم يحدث يومًا ما، لم أكن يومًا ما في وضعية الهجوم،كنت دائمًا مُدافع.

كما إنني لم أصور للناس شيئًا،لست أنا من قتل و عذب وسحل وكذب ،لست من أدخل الجيش في صراع علي السلطة وكأنه حزبًا سياسيًا.

أما عن خيانة الوطن و التآمر عليه،فقليلًا من الحياء ،لا يجوز أن تتهمني بالخيانة والتآمر وأنا أري رابطة عُنقك التي تجعلك تبدو مُنمق بعض الشئ صنعت في دولة تصفونها ليلًا نهارًا بأنها من فريق الأعداء،أتعلم؟ حتي سلاحك وسلاح من خلفك و من حولك ومن تحاول تبرئتهم الأن صناعة أمريكية، لا تتهمني بالعِمالة وأنتَ تفُض مظاهراتي بسلاح دولة أخري حتي لم تستورده منها بل أعطته هي لك كمنحة أو ربما كهدية علي حسن سلوكك وطاعتك ، أما القواعد التي خلقتموها لتحميكم وقت اللزوم،خُلقت لتُكسر،فقط لتُكسر.

لم يعد القاضي قادرًا علي التصنع بالهدوء أكثر من هذا،حينها فقط إنطلقت الكلمات من فمه كالرصاص " حكمت المحكمة حضوريًا علي المُتهم ثــــائر سعيد بالإعدام رميًا بالرصاص "

قُضي الأمر وثائر علي بُعد أيام من الموت،بل خطوات،كل خطوة يخطوها ناحية باب القاعة هي خطوة نحو الموت،لم تغادر نظراته الثاقبة عيناه مُطلقًا،أدار ثائر وجهه ليري طفًا رضيعًا تحمله أمه ،فهمس في أذنها " زوجتي الحبيبه، لن أذهب بعيدًا و ماهي إلا سنوات ونلتقي ،ستمر سريعة،أسرع حتي من هذا الحُكم الذي أصدره القاضي ،ولكن إلي أن نلتقي - مُمسكًا بيد الطفل الصغير- إحكي لـــ " باقي " كيف مُت وأنا أحاول أن أجعل مستقبله أفضل،وأنا أحاول أن يحصل علي حياة أفضل مما حصلت عليها،قولى له أن يبقي هو يحاول أن يحظي و أولاده بالفرصة،التي لم نحظي نحن بها ،و إن لم يستطع فأرجوكي اخبريه بألا يموت من أجل هؤلاء الحضور ،فهم سيتركونه يموت وحيدًا في النهاية " .

سار ثائر في طريقه ملوحًا بيده لإبنه " باقي" و هو مبتسمًا ويتمتم " باقي ثائر سعيد"


تعليقات