انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: سعيد عبدالغنى
14 أغسطس 2015
11270

 

 

 

كتب/ عمر مسعد

"الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم .." وإذا اعتبرنا الثورة من جملة الطاقة .. فسيسهل علينا -عندها- تفسير الانفجار الحركي الناشيء عن ثورة يناير .. التي لم تكدتلملم أوراقها عازمةً الرحيل؛ حتى تحول وقودها في النفوس إلى طاقة حركة تلقّـفتها مساراتٌ شتى .. وحظي العمل الطوعي ذو الميول الإصلاحية -المؤسسي منه والحُر- بالنصيب الوافر من دفقات هذه الطاقة، كمًّا و كيفًا .. و حيث أننا لم نُحَصِّل بعدُ ما يبلِّغُنَا الانتماءَ لدائرة الخبراء والعالمين بالخفايا والدوافع والمآلات المتوقعة .. فدعونا نَـقْـنَعُ -مؤقتًا ربما- بالانتماء لدائرة الراصد، والحاكي للتجربة .. وفي ثنايا الحكي تكمن الأسرار !

 

في عام الثورة الأول، بدأت التجربة .. الانخراط سريعًا -وبقدر عالٍ من السهولة يناسب طبع الشخص وظروف المرحلة العمرية- في مجتمعٍ نشيط .. متآلف .. يردد أفراده كلامًا يبدو عظيمًا عن الأمة والوطن، والاستخلاف والعمارة، والإصلاح والتنمية .. ولأن الحركة -أوالحماسة البادية ربما- هي المعيار؛ تدرَّج الشاب النشيط الودود سريعًا في مستويات المسؤولية .. وتعددت التجارب داخل التجربة الواحدة .. وبمساعدة مسارٍ معرفي موازٍ -شاء الله أن يوجد- ازدادت الانكشافات للعين والعقل في آن .. وأصبحت القدرة على الاستبصار والتقييم أفضل من ذي قبل .. أفكارٌ تدور، ثم لا تلبث أن تختبر، وتُفْضِي إلى قناعة .. وهكذا دواليك .. وبالنظر إلى أننا اليوم نتاج تجارب الأمس، وأن تجارب الأمس واليوم تأثرت وتتأثر بآخرين، وأن التجارب المتقاربة تستنسخ النتائج إلى حد بعيد .. رأيتُ في نقل ما أعتقد من منافعِ ومضارِّ هذه التجربة واجبًا عليّ تجاه آخرين .. وحتى لا ينفرط عقد الحديث .. دعونا ننظم الكلام في نداءات موجهة مؤلفة من نقاط منفصلة .. عسانا ننجح في الإفادة نوعَ فائدة. === النداء الأول: يا أيها المسؤول .. - لا تردد كلامًا لا تدرك منتهى أبعاده، فضلًا عن إداركك كيفية تحقيقه .. لا تكن جسر عبور الناس إلى أرض الوهم .. تحدث عن إيصال مساعدة، أو إفادة جيدة لمن يشاركونك العمل، أو إحداث طفرة في مكانٍ ما، أو تغيير جزئي مهم كخطوة في سبيل تغيير أهم .. لكن إذا انتقلت إلى الحديث عن العالم والأمة والوطن فثمة كلامٌ آخر يجب أن يقال، وأسبابٌ أخرى يجب الأخذ بها. - إذا ارتضيت أن تكون جزءًا من عملٍ ما لأجل غرضٍ ما فلا بأس .. لكن كن واضحًا قدر المتاح، حتى لا تفسد من حيث أردت الإصلاح .. كن واضحًا حتى تحقق ما تريد بجنود حقيقيين .. لا بأتباعٍ سذج .. يتركونك عند الـ "لطمة" الأولى .. كن واضحًا حتى لا تكتسب مزيدَ أعداءٍ من الداخل .. يكفيك ما في الخارج. - المجتمع واحد، اجتماعك ببعض الأفرد على عملٍ مَا لا يوجِبُ تحولَكم إلى مخلوقاتٍ أخرى بصفاتٍ مختلفة .. آفةُ العمل الطوعي الكبرى -في رأيي- هي تغير التصورات عن الذات، والعيش في وهم الاصطفاء والخيرية .. تصنعُ ذلك الألقابُ الفخمةُ والكلام العظيم المطلق وأشياءٌ أخرى. - تكاملًا مع النقطة السابقة .. أَعْلمُ و تعلمُ معي أنَّ ترقي سلم المسؤولية في هكذا أعمالٍ يتم في تسارع شديد وعلى معايير غير منضبطة .. وعليه: الفرق في المعارف والتجارب بين أفراد مستويات المسؤولية المختلفة متقاربٌ إلى حد بعيد .. فارفق بنفسك وبمن تقود. - نادِ في الناس أن حاربوا سلوك المجتمع واكفروا بالقيم التي أفضت إليه، ثم مارس هذا السلوك داخل مؤسستك .. هذا أقصر سبل النفاق والغفلة وأيسرها .. يظهر هذا واضحًا في آليات الإدارة واختيار المسؤولين وخط سير المهام والرؤى صعودًا ونزولًا. النداء الثاني: يا أيها المتطوع .. - آفة المجتمعات الموازية هي أنها تُنشيء مع مرور الوقت قوة جذبٍ للداخل، تجعل الخروج منها عسيرًا إلى حد، حتى ولو تبين ضرر البقاء ..

 

وتجعل -بالتبعية- رفض الخطأ صعبًا على النفس، وتصير الثورة على مبدأ خاطيء هي ثورة على الحياة واستقرارها .. فاحرص على تبين الخطأ ورفضه بالصورة التي تتناسب مع حجمه ونطاق تأثيره، واحرص على تبين الثابت من المتغير .. واعرف متى ينبغي عليك التوقف. - الحرية المتاحة لك في هذا النوع من الأعمال لن تجدها -غالبًا- في غيرها إلى حين .. وهي فرصة جيدة للتعرف على ذاتك، طبيعتها وميولها وعيوبها ومحاسنها وطبيعة الأعمال التي تجيدها وطبيعة الأعمال التي ترغب في مزاولتها وطبيعة الأحلام التي تريد أن تعيشها وغير ذلك .. فاغنم من هذه الفرصة قدر وسعك .. إن كنت لا تدري إلى أين أنت ذاهبٌ فاطرق باب كل عملٍ حتى يتكشف لك ما تريد، وما ينبغي عليك فعله .. وإن كنت تدري؛ فلديك فرصة جيدة لإضافة خبرات فيما تريد، وعلاج أمراض انكشفت لنفسك، والتنبه إلى ما كنت عنه غافل .. انطلق. - الكلام عما ينتظرك من الثواب وغيره جميل .. لكن احرص على معرفة ما ينبغي تقديمه وما ينبغي تأخيره حتى لا تأثم من حيث أردت الأجر .. ولن يتأتى لك هذا إلا بالعلم .. فاجعل لنفسك مسارَ معرفةٍ موازٍ لمسارك الحركي. - الخبرة التي اكتسبتها مرةً لن تكتسبها ثانية .. فلا تداوم العمل في مالا يضيف. - إن كنت جادًا .. فلا تنزعج كثيرًا لذلك الباحث عن فتاة أحلامه هنا، أو تلك الباحثة عن وجاهة زائفة هناك .. أو غيرهما .. المجتمع واحد كما أسلفنا الذكر. - لا تنتظر وجود من يحرص على نفعك هنا .. نعم مثل هؤلاء موجودون وبكثرة لن تجدها في الخارج، لكن ليس دائمًا .. فتعلم أن تقبل وتحجم بنفسك ومن نفسك .. تحسبًا لغيابهم ! - هنا كنز بشري يحمل الكثير من العلاقات الطيبة، والمعارف العظيمة .. فاغترف منه قدر طاقتك. النداء الأخير: يا أيها الأهل .. - التجارب الحرة أكثر نفعًا من التجارب الموجهة والمقيدة .. فلا تنزعجوا كثيرًا لانشغال أولادكم في هذا النوع من الأعمال في مرحلة ما .. دعوه يعرف ما لا يسمح له نظام الحياة هنا أن يعرفه ! وختامًا أقول: هذا الكلام أسوقه بناءً على لا شيءٍ، غير ما مررت به من تجربة .. وما وقعت عليه عيني من مشاهدات .. وأهملتُ فيه كثيرًا مما ينبغي أن يقال، وفاتني توجيه نداءات لطوائف أخر .. ذلك لضيق المقام، وقصور معرفتي أيضًا .. فليسامح من شعر بتحامل، وليتلطف من وقع على خطأ.


تعليقات