انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: عمرو ممدوح
19 مايو 2015
25704

 

التطور هو ظاهرة مرافقة لجميع العمليات التي يقوم بها الإنسان، ويزداد اتضاح هذه الظاهرة كلما زادت أهمية تلك العملية، وإذا كنا نتحدث في إطار عملية التعليم، فلابد أنها تشهد تطورا سريعا ومستمرا لكي تواكب العديد من المتطلبات، سواء سوق العمل أو حتى سوق التعليم العالي والدراسات العليا بالخارج.

 

ولكن ظاهرة التطور قد تعيقها بعض المجريات داخل البلاد، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، وكما نعلم فإن بلادنا، مصر، تشهد العديد من تلك المعوقات، مما أثر سلبا على ظاهرة التطور.

 

وإذا أردنا أن نسلط الضوء على تطور عملية التعليم الجامعي، علينا إذا أن نذكر أحد أهم مستجدات السنوات الأخيرة، والذي تبلور في ظهور ما يدعى بأقسام "الساعات المعتمدة".

 

في الخارج ومنذ عشرات السنين تعتمد المدارس الثانوية والجامعات التدريس بنظام الساعات المعتمدة، وهو شبيه بنظام الفصول الدراسية المعتمد لدينا، بعض الفروقات الطفيفة كإمكانية اختيار الطالب للمواد في مواعيد تناسبه، وإمكانية دراسة الطالب لعدد ساعات أكبر بشرط حصوله على حد أدنى من الدرجات، كما بإمكانه تقليص عدد الساعات.

 

أما المادة الدراسية فيتم تقييمها بعدد ساعات مقررة لها بالأسبوع الواحد، فهناك مادة الثلاث ساعات ومادة الساعتين. وكما أن التعليم الأساسي في مصر، لاسيما فترة الثانوية العامة، استطاع أن يعيد التوازن إلى صفوفه، وينتقل من داخل جدران المؤسسات التعليمية، إلى جدران "السنترات" واِتباع نظام الدروس الخصوصية، كرد فعل مجتمعي، تلقائي، على العقد الاجتماعي الجاحف بين وزارة التربية والتعليم ومعلميها.

 

 أيضا التعليم الجامعي بَات يواجه أزمة شبيهة، لا سيما قبيل رفع رواتب أستاذة الجامعات في العام 2012، حيث لم يكن مرتب الأستاذ الجامعي يتجاوز الخمسة آلاف جنيه، فسمحت الدولة بإنشاء جامعات خاصة لمحاولة الحفاظ على العقد الإجتماعي بين وزارة التعليم العالي والطلبة، ولم يكن ذلك سوى خطوة على الطريق. فمازالت الجامعات الحكومية تحوي عددا هائلا من الطلبة، لا قبل لغالبيتهم بمصاريف الجامعات الخاصة.

 

هنا بالتحديد انبهرت الأستاذة الدكتورة هند حنفي، رئيس جامعة الإسكندرية، بفكرة إنشاء قسم الساعات المعتمدة بكلية الهندسة بالجامعة، وسرعان ما انتشرت تلك التجربة كالنار في الهشيم، والآن لا تخلو كلية هندسة في شتى جامعات مصر تقريبا، من قسم الساعات المعتمدة.

 

القسم مصاريفه تتعدى العشرة آلاف سنويًا، ويتبع نظام الساعات المعتمدة السابق شرحه، لكن نظرة تفحصية بداخل القسم توضح الكثير والكثير من العيوب التي تسبب بها وجوده في ظل منظومة التعليم الجامعي الركيكة.

 

فعلىّ سبيل المثال، يفترض أنّ تكون الدراسة بالقسم فقط من خلال المراجع الرسمية، وليس من كتب أحد المدرسين، لكن بما أنّ نفس المدرس الذي يحاضر بالقسم العام في نفس المادة هو من يدرس بالقسم الجديد فهو يستخدم أيضا كتابه، بل ويقره على الطلاب.

 

كليات الهندسة أيضا يوجد بها تنسيق داخلي كالثانوية العامة، ويتم ترتيب  الأقسام بداخل الكلية بحسب الإقبال عليها، فقسم هندسة الغزل والنسيج بكلية الهندسة، جامعة الإسكندرية، لا يوجد إقبال عليه وبالتالي يأتي ترتيبه

 

الأخيربين الأقسام، ولهذا تجد الطلبة الذين لم يحصلوا على معدل كاف خلال السنة الإعدادية بالكلية، ولديهم قدرة مادية، يفرون إلى قسم الساعات المعتمدة أو قسم "المميز" كما يسمونه، وبعيدا عن مبدأ تكافؤ الفرص وما إلى ذلك، إلا أن هذا يجعل من القسم مجرد ملجأ لمن لا يريد الإجتهاد.

 

أيضا من السهل إدراك تحبيذ إدارة أي كلية هندسة لالتحاق عدد كبير من الطلبة بقسم الساعات المعتمدة، مما يزيد من ميزانية الجامعة، ولهذا تشهد العديد من الخروقات الناتجة عن تساهل الإدارة مع طلبة القسم، فقسم الساعات المعتمدة يقوم بحساب معدل الطالب عن خلال الGPA، وهو رقم من واحد إلى أربعة أو خمسة، بحسب الكلية، شبيه بالنسبة المئوية، ويشترط أن يحصل الطالب على الأقل على GPA يفوق الـ 2 لكي يستطيع دراسة 18 ساعة بالفصل، أي ما يوازي العدد الطبيعي، وإذ لم يستطع تقلص الكلية عدد الساعات المتاحة له إلى 12، وهو ما يتم التجاوز عنه أحيانا.

 

الأمثلة على الخروقات وعدم التطبيق الصحيح للنظام العالمي للساعات المعتمدة كثيرة، وإقالة إدارة أو محاسبة مسؤول ما، ليس هو الحل الجذري، بل تحديد سبب تلك الخروقات ثم معالجته، هو الحل، والسبب هنا واضح، منظومة التعليم الجامعي في مصر بها أزمة، ومحاولة التحايل بالأفكار لحل تلك الأزمة، سواء من خلال جامعات خاصة غير حكومية، أو أقسام شبه خاصة، تحت مسمى ساعات معتمدة أو مميز أو غيرها، سيتحول في النهاية إلى مجرد طريق موازي للطريق الأساسي غير الممهد.

 

أما الحديث عن الإصلاح فلن يكون إلا بحوار مجتمعي جاد، بين اتحاد الطلاب والمدرسين بالجامعات والمسؤولين بالوزارة، يضع قواعد وأسس حقيقية يمكن تطبيقها وليس فقط مجرد حديث شعبوي.

 

الآن نحن على مشارف خطوة أخرى في التعليم الجامعي، وهي محاسبة طالب الجامعة الحكومية الراسب بمادة، على مصاريفها، نتمنى ألا تتم إلا بعد الحوار والنقاش، عسى أنّ يتم تطبيقها بطريقة سليمة، وعسى أنّ يساعدنا الحوار لنصلح منظومة التعليم العالي البائسة في مصر.

 


تعليقات