انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: سامح خليل
12 أكتوبر 2014
15618

"هنعمل إيه؟"

"هي البلد كدة"

مطلوب مني اليوم مقال وأنا مؤخراً فاقد للرغبة في عمل أي شيء له فائدة ولكن أحياناً تأتي لحظات تحمل معها الهمة ويحدث ما هو على وشك الحدوث؛ الإنفجار الذي لا أريد أن يحدث في وجه من هم حولي سيحدث في هذه المساحة الافتراضية.

عندما كنا صغار كان ما نراه في كتب المدرسة وفي شاشات التلفزيون ونسمعه من الراديو ونقرأه في مانشيتات الصحف يدور في فلك اننا عظماء العالم وأن مصر هي التي تقود ومصر هي التي تأتي ومصر هي التي تذهب ومصر هي أم الدنيا وهكذا وهكذا وهكذا على رأي الواد اللي بيطلع في مسلسل الكبير . اعترف انني كنت مقتنع به وكنت أظن اننا بالفعل مالناش حل والريس مبارك جميل ومصر حلوة والشرطة في خدمة الشعب..وأنا عندي ٩ سنين.

ثم أصبحت طفل مصري يبلغ من العمر ٩ سنوات وجد نفسه فجأة في بلد إسمه السويد لم يكن قد سمع عنه أصلاً من قبل. فجأة وجد نفسه في فصل في مدرسة على يمينه طفل أخر من دولة تسمي فيتنام وعلى يساره ولد أخر من أستراليا وخلفه فتاة من المجر وأدرك أن العالم أكبر مما كان يتصور وأنه زيادةً على المسلمين والمسيحيين واليهود يوجد من هم يتبعون ديانة تسمى البوذية بل ويوجد من هم ليس لهم دين أصلاً ولا هم يؤمنون برب. كان في معايا اتنين مصريين في الفصل؛ أحمد ومحمد ومازلت فاكر إن محمد هو اللي علمني ازاي اربط الجزمة والعب شطرنج. شكراً يا محمد.

كنت طفل مصري إكتشف فجأة أنه يوجد مكان على كوكب الأرض تستطيع فيه عبور الشارع بدون أن تقلق من دهس سيارة لك وتستطيع الفتاة أو المرأة أن ترتدي أو لا ترتدي ما تشاء دون أن تجد من يضايقها أو يتحسس جسدها أو يقول أنها عاهرة. كنت طفل مصري فجأة وجد نفسه لا يسأل ممن حوله عن دينه حيث أنهم في هذا العالم الموازي لا يهتمون بدينك لكي يقررون كيف يعاملونك.

كنت طفل مصري في مدرسة في مدينة لوند السويدية وأجد المدرسة ملزمة بالقانون بأن توفر لي مدرس يقوم بتدريس اللغة العربية لأنها لغتي الأم وملزمة بالقانون أن توفر لي وجبة غذاء مخصوصة حين يكون الطعام المقدم يحتوي على لحم الخنزير لأني مسلم لا آكل لحم الخنزير وأجد الحكومة تقوم بعلاجي مجاناً لأنني موجود على ارضهم وبالتالي هم مسؤلون عني.

كنت أجد من هو ليس مصري ولا هو عربي ولا مسلم ولا له أي صلة بمصر أو العرب أو الإسلام يتعاطف مع القضية الفلسطينية وهي قضية ليس له فيها لا ناقة ولا جمل ولكن التعاطف نابع من أنهم - الفلسطينيون - بشر يستحقون أن يعيشوا في حال أفضل من ذلك.

كان هناك سؤال واحد فقط يدور ويرقص ويدق راسي دقاً؛ أين مصر أم الدنيا صاحبة أقدم حضارة في التاريخ من كل هذا؟

كان هذا السؤال أكثر حضوراً في عقلي عندما عدت وكنت أبلغ من العمر ١٣ عاماً ونصف عام. كنت طفل مصري في مدرسة في لوند وفجأة أصبحت طفل مصري في مدرسة كلية السلام في سراي القبة. لم أكن أعلم ما هي الكلمات الجديدة بين من هم في سني ولم أكن أعرف كيف هي طريقة التحدث وما هي المواضيع الرائجة في ذلك الوقت بل اني أذكر مرة كنت اتفق فيها مع أحد الزملاء على شيئاً ما ثم قال لي "قشطة" فكان رد فعلي في منتهى التلقائية حين سألته "أيوة يعني إيه؟ مالها القشطة وإيه علاقتها بأي حاجة بنقولها؟" فبدت على وجهه علامات الإستغراب ثم أدرك اني "خواجة" وشرع في تفسير معنى القشطة لي ومن ساعتها وأنا بقول قشطة. وأذكر مرة أخرى كان هناك حديث يدور حول أمر سياسي فاطلقت تعليق يبدو أنه كان في غير محله فكان الرد من أحد الزملاء "بس يابني بدل ما أمن الدولة ياخدوك" فظهرت سذاجتي مرة أخرى حين سألت في كل براءة "وهو إيه أمن الدولة دة يعني؟ بيعمل إيه؟ وهييجي ياخدني ليه؟" فما كان من الزميل كتر خيره إلا وأن شرح لي ما هو أمن الدولة وماذا يفعل في الناس ولماذا يجب علينا جميعاً أن نخاف من أمن الدولة. كانت صدمة.

بدأ عقلي بدون قرار مني أن يقارن بين كل ما أراه في وطني وبلدي الأم من جهة وبين ما كنت أراه في مكان ليس هو وطني ولا هو بلدي الأم ولكني كنت زائر فيه فقط وكان هناك أمراً كان ومازال يصيبني بحيرة شديدة؛ إفتخار المصريين الشديد بأنهم مصريين ثم القيام بأفعال تنم عن ما هو عكس ذلك تماماً. يعني إيه؟ يعني تلاقي واحد بيفتخر ببلده وناسه وحكومته بس بيكب زبالة في الشارع عادي أو ماشي بعربية بتطلع عوادم تموت في الهوا. ماكنتش فاهم ومازلت مش فاهم.

ثم حدثت الثورة.

ثم انتهت الثورة.

وفيما بين هذا وذاك حدث كل ما هو كفيل بقتل أي أمل في أي بصيص من الأمل لهذا البلد لأن بكل بساطة أصحاب الحق لا يبحثون عنه والحق لن يأتي ركضاً لصاحبه. والله لن يصلح حالنا حتى نسعى نحن لإصلاح حالنا والله لن يرضى عنا إلا حين نرفض نحن الظلم ولا نقدم له أعذار وتبريرات.

هل يرضي ربنا وجود مستشفيات لا تملك علاجاً ويوجد وزراء يأخذون رواتبهم من قوت الشعب يركبون سيارات بملايين الجنيهات؟

هل يرضي ربنا أن يسلب شخص حريته بدون أدنى دليل ثم تقوم الدولة المسؤولة عن حمايته بتعذيبه؟

هل يرضي ربنا أن يتم قتل ٧٠٠ روح على الأقل في فض إعتصام؟

هل يرضي ربنا أن يموت ٥٠٠٠ شخص في خلال ٣ اعوام في أحدث عنف؟

هل يرضي ربنا يتم فصل طلاب من جامعتهم بدون تحقيق؟

هل يرضي ربنا إن حد يبقى عايش العيشة ديه ومايحاولش يشوف مكان يحترم آدميته؟

هل يرضي ربنا سكوت الحكومة عن اللي بيحصل في غزة؟

هل يرضي ربنا إن الحكومة تعلق الغلابة بأمل العلاج من فيروس سي وبعد كدة قبل اليوم المعهود "يأجلوا العلاج" ٦ شهور وبعدها بأيام تطلع وزارة الصحة تقول إن في علاج متوفر في الصيدليات بما يقرب من ١٥ ألف جنيه؟

مصر فيها نسبة من أعلى نسب الإصابة بفيروس سي ولديها نسب تحرش تصيب بالغثيان ولديها سجل حقوقي تقشعر له الأبدان.

ربنا قال أرض الله واسعة..والأنبياء لما لقوا ظلم من قومهم سابوهم ومشيوا..الأنبياء خونة وباعوا القضية؟

هذا المقال ليس دعوة للتنكر لمصر ولا هو دعوة للهجرة حتى؛ هذا المقال دعوة للتعقل ودعوة لرفع الظلم ودعوة للعمل على رفع الظلم..حتى نجد ما نفتخر به.

يعني هنعمل إيه؟

إلعب باليه.


تعليقات