انشاء حساب



تسجيل الدخول



صورة لملابس وأسلحة جنود منتمين للحركة الإنقلابية بعد إستسلامهم لقوات الشرطة.
كتب بواسطة: أحمد عرفة
16 يوليو 2016
14227

حتي الآن كل المؤشرات ترجح كفة الحكومة والديموقراطية التركية في مواجهة الانقلاب.

يسبح العالم الآن في تحليلات أسباب الانقلاب والنتائج التي ستترتب على فشله. ولكن كيف من الممكن تصور شكل تركيا في حالة نجح هذا الانقلاب؟! ماذا لو أطاح بحكومة حزب العدالة والتنمية التركي ورئيس الدولة رجب طيب أردوغان؟! وأهمية هذا السؤال أنه ربما يكون الإجابة التي علي أساسها تبنت معظم الفصائل والأحزاب والمؤسسات التركية موقفها من الانقلاب. إن تاريخ تركيا مع الانقلابات طويل ومرير في معظمه. ومذاق مرارته ربما لم يختفي حتي الآن من حلق الأحزاب السياسية والشعب التركي. ولكن المتغيرات الحالية هي التي ساعدت علي كبح جماح تحركات أفراد المؤسسة العسكرية هذه المرة.

تلك المتغيرات التي يتصدرها شبح الحرب الأهلية غير البعيدة في مواقف مثل هذه ، فطوال الفترة التي قضاها أردوغان وحزبه العدالة والتنمية في السلطة عمل جاهداً علي ترسيخ مقاعد المؤسسات للموالين له. ودخل حرباً سياسية طويلة ضد نفوذ المؤسسة العسكرية. وذلك ربما الذي أدي لأول مرة في انقلابات تركيا إلي انقسام الجيش بهذا الشكل. و أصبحت التحركات العسكرية مرفوضة من قطاعات عسكرية أخري. إن سياسة أردوغان في تقليم أظافر المؤسسة العسكرية في التدخل في السياسة الداخلية أتت ثمارها. فقبول استقالة المجلس العسكري التركي عام 2011 وتعيين رئيس أركان موالي له وتعميق شعبيته عن طريق إنجازات اقتصادية واجتماعية وسياسية مهدت له الحماية في معاركه مع الجيش في فترات عدة ، ولكن هذه المرة يقف إلي جانبه القطاع الأوسع من الجيش يتقدمهم قياداته الكبري متمثلة في رئيس الأركان. وبالتالي هناك بعض النقاط العسكرية والسياسية التي فشل في تحقيقها قادة الانقلاب ولو استطاعوا التغلب عليها لقادت لنجاح تلك الحركة العسكرية. فإن تركيا كانت ستواجه شبح الحرب الأهلية بانقسام واضح في المؤسسة العسكرية. وبإدخال قوات الشرطة إلي المعادلة، وهي القوات التي يحكم أردوغان قبضته عليها، مع نوعية تصريحات رئيس الوزراء للحكومة "أن الحكومة التركية ستتخذ كل الإجراءات ضد الانقلاب ولو أدت لسقوط قتلي" فالمواجهة كانت حتمية والحرب الأهلية كانت شبحاً ماثلاً قادم ليحصد تركيا القوة العسكرية والاقتصادية والوجهة السياحية.

التغيرات التي ستنتج  تركيا غير مستقرة ربما هي كانت الخوف الأكبر عالمياً. فتركيا تعتبر لاعب أساسي في القضية السورية سواء عسكريا أو سياسياً أو إنسانياً بوجود 3 ملايين لاجىء سوري بالأراضي التركية. وفي مثل هذه التربة من الاضطرابات وعدم السيطرة تنتعش زراعة الإرهاب مع وجود تنظيم داعش الذي لن يشكر فقط خروج تركيا من معادلة القوي بل سيسعى هو لتعظيم وجوده في تركيا. ويقف علي أعتاب أوروبا شبحاً كانت تركيا تحتجزه قدر الإمكان كحاجز أمام أوروبا. كما أن نظام بشار الأسد قد يجد فرجة ومنطلق بأي اهتزاز لاستقرار تركيا. وبالتالي موازين القوي بالداخل السوري كانت ستتغير بالتأكيد. اللاجئين السوريين الذين تحمل تركيا عبئهم عن العالم ، فمن دولة في حرب أهلية إلي دولة انقلاب ربما كانوا الأكثر تضرراً وسط تعفف عربي وإسلامي تجاه قضيتهم وعدم رغبة أوروبية في وجودهم علي أرضها. مما سيضع 3 ملايين من البشر بمستقبل مجهول.

أما بالنسبة للأكراد فنجاح المؤسسة العسكرية في السيطرة علي الحكم هو كابوسهم الأبدي. فالعداء الأساسي ليس بين الأكراد وأردوغان ولكنه في الأساس عداء متأصل مع المؤسسة العسكرية. حيث يمثل لهم أردوغان خياراً أفضل عن المؤسسة العسكرية بكل الأشكال. وبالتالي فإن المناوشات البسيطة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي ستتحول إلي حرب فعلية وسط حروب عدة علي جبهات وأصعدة مختلفة في نفس المنطقة. وهو ما يشتت جهود الأكراد التي ربما لا تستطيع تلبية حروب مع أطراف متعددة مثل داعش والجيش التركي في حرب مفتوحة بدون حل مستقبلي. لأن الجيش لن يتنازل عن مقاومة حلم الأكراد بتكوين دولة كردية قومية مهما كانت الظروف.

أما بالنسبة لأمريكا والغرب وروسيا فإن تركيا أو أي بلد حالياً له وضع إستراتيجي سيدخل دوامة الحروب الباردة بين الطرفين. خاصة أن تركيا حليف أساسي لأمريكا عسكريا في أفغانستان وسوريا وشبه قوسين أو أدني من الدخول للاتحاد الأوروبي وأكبر قوة عسكرية في حلف الناتو. كما أنها تحتوي علي أسلحة نووية تابعة للجيش الأمريكي علي أرضها. فمع أي فقد للسيطرة علي الدولة كمؤسسات ستكون فريسة بين طرفي العالم. فروسيا لن تتواني عن إخراج قطعة شطرنج مهمة عن بساط اللعبة سواء بتأييد من يحكم لصالحها أو الحفاظ علي استمرار الاضطراب وفقد السيطرة. وأمريكا وأوروبا لن تترك دول من حلف الناتو تقع بيد الروس بأي شكل يضع روسيا علي عتبة دول أوروبا والمعبر للغاز والوقود والبترول من الشرق لأوروبا.

أما المعارضة التركية فتعلم أن الحياة السياسية برغم القمع الحاضر من السياسة الأردوغانية لا يُقارن بأي شكل بحياة سياسية صورية مسرحية تحت حكم السلاح والدبابات والجنرالات. كل هذه السيناريوهات في حالة نجاح الانقلاب العسكري هي ما وجهت الرأي العام والشعبي والحزبي والعسكري في الداخل التركي وخارجه لرفض هذه التحركات العسكرية الانقلابية ومنح الاستقرار الفرصة وإن كان غير مرضي عن سياساته. إلا أنه يبقي أفضل من كل السيناريوهات الأخري تركياً وعالمياً.


تعليقات