انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: يسري محمود فرج
21 أبريل 2016
13521

(1)

زمننا ليس زمن الصالحين.

زماننا ليس زمان الطيبين.

"كَثُرَ الخَبَثُ"* وأوشكنا على الهلاك، وأضحت الطيبة عملة نادرة، فإن أعثرك قدرك على واحدٍ يتصف بها، فضعه في عينيك وأغْلِقْ عليه أجفانك، واحفظه في سويداء القلب، فإنّ الصحبة الصالحة لمّمَا يهوِّنُ على المرء مشقة الرحلة وبُعْد الشُقَّةِ وعثرات الطريق.

شارفنا على الهاوية، أو هكذا أظن بخلاف مدربي التنمية البشرية، فليرحمنا الله ولينظر لنا بعين الرضا، فقد أنهكت صُرُوفُ الدهر قلوبنا الغضة، فنحن جيل متسربل بالغربة، ومسكون بالاغتراب.شيّبتنا الحوادث المدلهمات مبكرًا، وخلّفت في قلوبنا ندوبًا لا أظنها تندمل بسهولة.

أيامنا مصبوغة بلون الدم، وردهات الذاكرة ملأى بجثث الحكايات التي نزفت حتى الموت، وحوائط الماضي موسومة بصور الذين فارقوا، ونحن مرضى الحنين إلى كل ما فات يؤرقنا نسيم الحرية الذي عبّق أجوائنا ذات بهجة مُختلسة على حين غفلة من سوء حظ مقيم في حارتنا العتيقة مدمنة النسيان.

وَعيُنا يَئِنُّ من ألم واقعٍ يدهسنا بلا رحمة، أعيتنا الحيلة فيا غيّاث أغثنا.

 

 

(2)

"قلت ضروري وراه مواعيد

 ولا يجوز مشواره بعيد"**

أوقاتنا متخمة بمواعيد متراكمة تجثم على صدر ساعاتنا القليلات، تدور عجلة الزمان فتنسرب أيامنا ولا ننتبه إلا وقد شارفت الرحلة على الانتهاء، فيبرز أمام أعيننا السؤال الذي حجبته عنّا زحمة الحياة ولهاثنا المحموم وراء ما ظنناه "مهمّا" وقتذاك!

سؤال الوجود المراوِغ الذي لم يبرح عاكفا في أروقة اللاوعي، مازال يدور ويدور علّ العقل يلقم علامة إستفهامه جوابا شافيا فتحل الطمأنينة بالقلب، ونظفر براحة اليقين قبل أن يأتينا اليقين.

من أنا وكيف السبيل وإلام المصير؟ هو سؤال البحث عن الحقيقة المُبتغاة.

 

 

(3)

نسعي للتواصل، نبحث عن الآخر الذي يقبلنا كما نحن؛ يتفهّم ضعفنا ويسمع بقلبه أنين أرواحنا المتعبة، ولا يملّ تفاصيلنا المرهِقة ولا يضجر حين نلقي على كتفيْه ما يثقل كواهلنا أملًا في التخفف ولو قليلًا.

وهل هناك غير صفحات بيضاء تتحمّل ما نسكبه من عَبَراتٍ، الحروف فقط تتشكل كما أريدُ وحدي، حتى وإن استعصت في البداية فلا تلبث أن تلين وتطاوع فينبني عالمي الذي أجد فيه نفسي..عالم الكلمات.

إلا أنني منذ مدة لم أكتب ولا سبب وراء ذلك، والعجيب أنني لم أعد أكترث للحروف التي لم تزرني منذ وقت ليس بالقليل ولم أعد أهتم بالكلمات التي لم تعد ترتسم في خيالي مبتسمةً لتهون عليّ شقاء الرحلة، ولم أعد متشوقًا للعبارات التي تنير الروح وتشي بما في النفس وتضع عنها حِمْلَها فتطير خفةً بين الخلق سابحةً في الملكوت.لم أعد أكتب، لم ولن تنقص الكتابة شيئا بغيابي، فالأبجديةً نهرٌ جارٍ ينيخ كلٌ راحلَته على ضفتيه وينهل منه، أما الذين يضيفون فقليلٌ ما هم.

نعم لم يعد لدي اكتراث بغياب الكتابة، رغم حاجتي إليها وحبي إياها فأنا الآن خاوٍ كصفحة بيضاء، ومتخمٌ حتى الحافة!

 

 

هوامش

*عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فَزِعا يقول: "ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كَثٌر الخبث" متفق عليه.

** من أغنية "طلب القهوة" لأحمد منيب كلمات: مجدي نجيب.


تعليقات