انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: سامح خليل
24 ديسمبر 2014
10604

هذا المقال عاطفي جداً وخالي من أي موضوعية..فلتذهب الموضوعية إلى الدرك الأسفل من الجحيم. هذا المقال غرضه التنفيس عن مشاعر غضب لا استطيع الذهاب بها إلى منبر آخر فمصر كما نعلم تعيش أزهى عصور الحرية حيث تتم ممارسة السياسة بهدوء كما طلب منا سيادة الرئيس أطال الله عمره.

أنا لا أعلم من أين أبدأ. هل أبدأ بالحديث عن الثورة؟ أم أبدأ بالحديث عن حسني مبارك؟ أم عن حبيبي (أيوة أنا قاصدها كدة) العادلي؟

كنت أبلغ من العمر ١٤ أو ١٥ عاماً حين كنت اتحدث مع أبي عن إنتخابات تشريعية كان من المقرر لها أن تتم في ذلك الوقت، وأتذكر انني قلت بعفوية بالغة "أكيد يعني هتتزور" فما كان من أبي إلا أنا تجهم وجهه للغاية بعدما قلت ذلك وقال "يعني لما يبقى عيل عنده ١٥ سنة عارف..". لا أتذكر بقية ما قال ولكن كان كله في إطار أن الفساد تفشى لدرجة جعلت طفل أو مراهق يبلغ من العمر ١٥ عاماً يدرك أن "كلها تمثيلية". لا أعلم لماذا أتذكر ذلك الموقف دوناً عن غيره. 

الإثنين الموافق الرابع والعشرون من يناير كنت قد انتهيت من إمتحانات الفصل الدراسي الأول لعامي الأول في كلية الهندسة (تركت الكلية بعد إنتهاء العام ولكن تلك قصة أخرى). كنت مقتنع إقتناعاً تاماً أن تظاهرات ٢٥ يناير لن تأتي بأي شيء يذكر وستمر مثلما مار غيرها. اليوم التالي أدركت قصر نظري وأدركت أن هذه التظاهرات مختلفة. في الثامن والعشرين من يناير قضيت يومي في حالة من الرعب على إثنان من اصدقائي - كريم وخالد - لعلمي بأنهم مشاركون في التظاهرات (كان أهلي قد منعوني من النزول) وأتذكر جيداً جلوسي بجانب التليفون الأرضي منتظراً مكالمة من ياسر ليخبرني بعودة كريم سالماً لبيته ومعه خالد.

أتذكر اللجان الشعبية. كنا وصلنا لدرجة من السذاجة جعلتنا نقتنع أن ما كان لدينا من "أسلحة" بدائية للغاية كانت ستكفي في مواجهة هجمات محتملة من البلطجية..بس أهو دة اللي كنا نقدر عليه. أيامها كان أحد اصدقائي (لن أذكر إسمه حتى لا يتعرض لوصلة من الشتائم) يتحدث عن عدم جواز تنحي حسني مبارك عن الحكم "عشان دة هيعمل فراغ دستوري" وكأن هذا الفراغ الدستوري بعبع يجب أن نخاف منه وكأن الإمتلاء الدستوري - إذا جاز التعبير - هو ما يحمي مصر من الاخطار المزعومة. أتذكر وأتساءل كثيراً إذا كان صديقي هذا يعلم فعلاً ما هو الفراغ الدستوري الذي كان يتحدث عنه.

أتذكر دفاعي المستميت عن أي هجوم ضد معتصمي التحرير الذين كنت انضممت لهم في الجمعة التالية للتنحي. أتذكر غبطتي لكل من كانوا هناك حينما كنت أنا اشارك في التظاهرات في الاسكندرية..بس أكيد التحرير حاجة تانية. وأتذكر يوم موقعة الجمال واندهاشي وغضبي من موت ١١ شخصاً في ميدان التحرير، كان ذلك العدد كبيراً بالنسبة لي في وقتها، يا ليتني كنت أعلم ما كان في انتظارنا بعد ذلك. 

أتذكر نظرة الناس لنا كشباب.."شباب الثورة" قبل الحملة الإعلامية الشرسة على الشباب عموماً والفئة المسماة ب-"شباب الثورة" خاصةً. كنا ندخل في حوارات ومجادلات حول السؤال الذي حير الجميع: الدستور أولاً ولا الإنتخابات؟ وكنا مؤمنين بفائدة ذلك! كنا حقاً مقتنعين أن آراءنا مهمة وأن تحركاتنا مثمرة وأن ما نقوم به أو لا نقوم به سيساهم في تغيير الأمور. يا الله على السذاجة.

أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو، حينما رأينا الموت امامنا ثم كنا نذهب لنجلس على مقاهي وسط البلد كأن شيئاً لم يكن، كنت اذهب لشارع محمد محمود قبل إمتحانات منتصف الترم (في إقتصاد وعلوم سياسية سنة أولى) ثم أعود بعد انتهائها. كنت مقتنع بنبل الهدف، كنت مقتنع بأن حكم العسكر من الممكن فعلاً اسقاطه، وكنت أكرة الاخوان المسلمين بشدة. هؤلاء الأوساخ اعتبروا أن أحداث محمد محمود محاولة لتعطيل العرس الديموقراطي (الإنتخابات التشريعية) حيث كان الاخوان هم "المعرسون" بجدارة. كنا بعد إنهاكنا من الغاز والهروب من طلقات الخرطوش نذهب لنستريح ونطلق النكات على بعضنا البعض وكأننا لم نكن منذ دقائق على بعد خطوات من موت محتوم أو إصابة خطيرة. كنت قد اشتركت في العمل في عدة مستشفيات ميدانية وكنت أرى الاصابات وهي فريش لسة خارجة من المعركة.

في أحداث مجلس الوزراء كنت أقف في شارع القصر العيني مع الصديق أحمد جلال وخلفنا ببضعة خطوات رأينا أحد الشباب يصاب برصاصة في رأسه ثم يموت. بكل بساطة.

صدقنا العسكر حينما قالوا أنهم مع الثورة، ثم صدقناهم حين اعتذروا "إعتذار ورصيدنا لديكم يسمح" وظننا أن هؤلاء من الممكن فعلاً أن يكونوا في صف الثورة. رأيت بعد ذلك بأم عيني السلطة تمهد للاخوان المسلمين في صفقة واضحة المعالم وكنت أضع أنا وغيري الأمل الأخير في الإنتخابات الرئاسية. انضممت لحملة عبد المنعم أبو الفتوح (ولازلت احترمه) وكنت أرى في الرجل أملاً حقيقياً. نعم، كنت ساذج. في صباح اليوم التالي للجولة الأولى كنت أحاول منع نفسي من البكاء ولكن في النهاية استسلمت. إنهيار الأمل الأخير. بعث الأمل بعض الشيء بعد فوز مرسي ولكن كان ذلك جزءًا من السذاجة المفرطة أيضاً. 

ولكن، وعلى الرغم من سيادة السذاجة في الكثير من الأحيان، لم أثق أبداً في عبد الفتاح السيسي.

واليوم بعد تبرئة حسني زفت مبارك اقتنعت تماماً أن كل ما حاربنا من أجله تم نسفه بجرة قلم مات من مات من أجل أن ترقص تلك الجموع المحبة للإستبداد والقتل على قبورهم.

اليوم أعلن كفري التام بمصر، ومؤسساتها.

كنت أؤمن بجدوى المحاولة في إحداث تغيير وأعلن كفري بالتغيير في مصر وبأي محاولة لاحداثه.

فلتذهب الثورة للجحيم ومعها التغيير وكل ما نؤمن به أو كنا نؤمن به. 


تعليقات