انشاء حساب



تسجيل الدخول



كتب بواسطة: محمد عبد اللطيف
02 ديسمبر 2015
12252

"نحن لا نريد التغيير،فكل تغيير هو تهديد للاستقرار، وهذا هو سبب آخر لحرصنا الشديد عند استعمال مخترعات جديدة،كل اكتشاف علمى محض من الممكن أن يؤدى إلى ثورة.

 

حتى العلم أحيانا لابد أن يُعامل على أنه عدو محتمل, نعم حتى العالم

 

"هكذا أجاب الحاكم مصطفى موند على سؤال الهمجى جون الذى لا يحب مدنية العالم الجديد عندما كانوا يتناقشون أو بالأحرى عندما كان يستجوب الحاكم موند الهمجى جون عن أسباب كرهه للمدنية الحديثة، وأقصد بالمدنية الحديثة تلك المدنية المقززة التى تخلو من المشاعر والتفكير، تخلو من العلاقات الإنسانية والروابط الأسرية فلا يوجد أصدقاء ولا أبناء ولا أمهات ولا أباء ولا خالات ولا أعمام، لا يوجد قيم أخلاقية ولا عادات!، كل مايوجد هو العمل وحبوب السوما المخدرة التى تخمد أى شعور عاطفى!

ذلك العالم الذى كتبه "الدوس هاكسلى"فى روايته"عالم جديد رائع" أو "جديد شجاع"، أياً كان فهو عالم جديد وبغيض.

 

كتب الدوس هكسلى هذه الرواية بعد الحرب العالمية الثانية، ليصف حالة العالم فى المستقبل بعد أن شهد قسوة الحروب وإستعباد الحكام للشعوب والسيطرة المطلقة والإتجاه لإلغاء الفردية فى المجتمع ودحرالعادات البشرية بمعناها المعروف، بهمجيتها وتلقائيتها، بحلوها ومرها، حيث يختفى الزواج فلا وجود للعلاقات الحميمة التنى ينتج عنها الحمل!, فشعور الأمومة والأبوة شئ مقزز ووحشى لن يكون له وجود فى المستقبل!, فالأطفال فى العالم الجديد يولدون فى أنابييب داخل معامل ضخمة وعملاقة وتحدد أفكارهم وجيناتهم! , فى ذلك الأنبوب عالم وفى هذا الأنبوب عامل وفى هذا موظف وفى ذاك ذكى وهذا أشقر وهذا أسمر وتلك جميلة فاتنة وتلك ممرضة لا شعور لها إلى آخره من صفات بدنية وعقلية ومهارات مجتمعية.

 

الكل سيولد محروم من الإختيار والتفكير, الكل سيولد سعيد بما نشأ عليه لأنه لا يعرف غير تلك النشأة أو بالأحرى لا يستطيع أن يعرف غير ذلك! , ولذلك يخشى الحاكم مصطفى موند من مشاعر جون الهمجى التى تهدد ذلك الاستقرارالجميل، لأن جون نشأ كهمجى فى العالم القديم حيث يقبع المنفيون والبدائيون الذين لهم عائلات!

 

فقد ولد جون مثل الهمجيون، خرج من رحم أمه ولاده طبيعية!, وتلك الطبيعة تقلق الحاكم موند فمن الممكن أن تغير وتحدث أثرا فى عالم الأنابيب السعيد.

 

وحاضرنا ليس ببعيد عن عالم مصطفى موند، كلامه حقيقى وواقعى يتخذه كل ديكتاتور كمنهج نحو السيادة المطلقة القمعية منهج لإقتلاع أى محاولة للتغيير من جذورها، إنهم يكرهون التغييرلأنه يهدد استقرار عروشهم المبنية على خداع ونفاق ووعود واهية، يتخذون العلم كعدو حقيقى وليس محتمل.

 

فكل مالا يعرفونه يخافوه ويقمعوه، العلم شئ مريب ومرعب بالنسبة لهم، فينفقون على القمع أكثر من التعليم، وعلى الأسلحة أكثر من البحث العلمى، يدعمون استقراهم الجاهل ويحاربون العلم والتغيير الفاهم!.

 

والأمثلة كثيرة وكثيرة الطالب مصطفى الصاوى الذى حصل مؤخرا على الجنسية الإمارتية،وذلك لم يحدث الا بعد أن تغاضى مسؤلينا عنه!

 

الطالب عبدالله عاصم الذى طلب اللجوء لأمريكا خوفًا من الإعتقال والتنكيل فى بلده الأم!

هانى عازر، زويل، سمير بانوب، مصطفى السيد، عصام حجى، فاروق الباز..الى آخره من علماء نبغوا فى مجالهم لأنهم هاجروا، حقيقة مُرة للأسف فلولا هجرتهم ربما كانوا أصيبوا بحالة من الإحباط الشديد أو التفكير فى الانتحار مثل زينب المهدى أو سكتة قلبية مثل صديقى سامح مهران أو فى المعتقل مثل الطبيب الشاب أحمد سعيد الذى أُعتقل مؤخرا فى إحياء ذكرى محمد محمود بعد عودته من المانيا فى إجازة صغيرة يقضيها الان فى زنزانة حقيرة، أو الاعتداء عليه حتى الموت مثل الطبيب عفيفى تخيل هذا يحدث مع العلماء وأصحاب العقول،فمابالك بمايحدث مع غير العلماء!.

 

لا أقصد التقليل من شأن أحد مهما كانت وظيفته أو درجة تعليمه ولكنى أستخدم أسوء الأمثلة لأثبت لك أن الكل أمام القمع سواء طالما أنك لا تنتمى إلى أحد المؤسسات المحصنة والتى لا أحتاج أن أذكرها فبالطبع أنت تعرفهم كما يعرف كف اليد طريقه على القفا!

 

ولكى لا نظلم النظام فهناك نوع من العلماء يهتمون به ويدعموه "بيشيلوه على كفوف الراحة" مثل عبعاطى كفتة واللواء حمدى خراسنة وعالم الفضاء المهووس بمؤامرة كونية تم التخطيط لها خارج المجرة، ورئيس إتحاد الطلاب فى أحد الجامعات يقول بأن التظاهرات ليس وسيلة للتعبير عن الرأى!

 

يبدو أنها أصبحت وسيلة لمنع الحمل "اليوميين دول!" يبدو أن الدوس هكسلى كان على حق وبدأ العالم الجديد يتشكل ويتكون ولكن بشكل أحط وأحقر مما تخيله، فملاذنا إما هجرة أو تعاطى حبوب السوما المخدرة أو إختيار ثالث لا أحب أن أفكر فيه !


تعليقات